الله لا يثنى معه أحد ، ولذلك نجد في القرآن الكريم : (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُوا مُؤْمِنِينَ) صدق الله العظيم .. وهنا نرى أيضًا أن الحق سبحانه وتعالى قد استخدم صيغة المفرد في الرضا ، لأن رضا الله سبحانه وتعالى ورضا رسوله صلّ الله عليه وسلم يتحدان ، ولأنه إذا جاء اسم الله فلا يثنى معه أحد .
باب التوبة :
وبعد أن فضح الحق سبحانه وتعالى المنافقين وبين ما في قلوبهم ، لم تتخل رحمته عنهم ، لأنه سبحانه وتعالى رحيم بعباده ، ولذلك فتح لهم باب التوبة فقال : (فَإِن يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ ۖ)صدق الله العظيم .. وفتح باب التوبة رحمة لحركة الحياة كلها ، فلو أغلق الله باب التوبة لأصبح كل من ارتكب ذنبًا مصيره للنار .
أهمية فتح باب التوبة للآثم والمجتمع :
وإذا علم الإنسان أن مصيره للعذاب مهما فعل ، فلابد أن يستشري في الذنب ، ويزداد في الإثم ، مادام لا فرق بين ذنب واحد وذنوب متعددة ، ولكن حين يعلم أي إنسان يخطئ أن باب التوبة مفتوح ، فهو لا يستشري في الإثم ، ثم إن الذي يعاني من الشرور والآثام حقيقة هو المجتمع ككل ، فإذا وجد لص خطير مثلاً ، فالذي يعاني من سرقاته هو المجتمع ، وإذا وجد قاتل محترف ، فالذي يعاني من جرائمه ، هم الذين سيقتلهم من أفراد المجتمع .
توبة الجلاس وحسن إسلامه :
إذن ففتح باب التوبة رحمة للمجتمع ، لأنها لا تدفع المجرم إلى الاستشراء في إجرامه ، وإذا نظرت إلى الآية القرآنية الكريمة ، فالله سبحانه وتعالى بعد أن أظهر الحق ، وبين للرسول صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين أشياء كان المنافقون يخفونها ، فتح للمنافقين باب التوبة ، وحينئذ قال الجلاس بن سويد زعيم المنافقين : يا رسول الله ، لقد عرض الله عليّ التوبة ، والله ما قلت ما قاله عامر ، وإن عامرًا لصادق فيما قاله عني ، وتاب الجلاس وحسن إسلامه .
عذاب الذين يعرضون عن التوبة :
أما الذين تعرض عليهم التوبة ، ولا يتوبون إلى الله ، فقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه : (وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ). صدق الله العظيم .. إذن فجزاء من يرفض التوبة ،ولا يعترف بخطئه هو العذاب الأليم ، لا في الآخرة فقط ، ولكن في الدنيا والآخرة ، وعذاب الدنيا إما بالقتل وإما بالفضيحة ، وعذاب الآخرة في الدرك الأسفل من النار .
الآخرة وأرض المعاد :
ولكن قوله الحق سبحانه وتعالى : (وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) صدق الله العظيم .. قد يفهمه بعض الناس فهمًا خاطئًا ، بأن العذاب في الدنيا فقط ، ولكن هناك أرض في الدنيا ، وأرض في الآخرة هي أرض المعاد ، مصداقًا لقوله تعالى : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ۖ ).صدق الله العظيم .. إذن فكلمة (الْأَرْضُ ) تعطينا صورتين في الدنيا وفي الآخرة ، وقوله تعالى : (وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) يوضح لنا أن الولي هو القريب منك ، الذي تفزع إليه عند الشدائد ، ولا تفزع عند الشدائد إلا لمن تطمع أن ينصرك ، أولمن هو أقوى منك ، أما النصير فهو من تطلب منه النصرة .
لا نجاة من عذاب الله لمن كفر أو نافق :
وقد يكون من البعيدين عنك ولا ترتبط به ولاية ، إذن : فلا الولي القريب منك ، ولا الغريب الذي تفزع إليه لينصرك يستطيعان أن يفعلا لك شيئًا ، فلا نجاة من عذاب الله لمن كفر أو نافق .