جعل الحق سبحانه الصلاة المفروضة في القرب وسيلة لقرب أمة رسوله صلّ الله عليه وسلم جميعًا ، ولذلك فهي الباقية ، ويُحكى أن الإمام علي كرم الله وجهه ورضي عنه ، أقبل على قوم وقال لهم : أي آية في القرآن أرجى عندكم ؟.
حسنة وليست إياها :
أي : ما هي الآية التي تعطي الرجاء والطمأنينة والبشرى ، بأن الحق سبحانه يقبلنا ويغفر لنا ويرحمنا ، فقال بعضهم : هي قوله سبحانه : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ) صدق الله العظيم ، فقال الإمام علي : حسنة وليست إياها ، أي أنها آية تحقق ما طلبه ، لكنها ليست الآية التي يعنيها .
تخمين القوم لأرجى آية :
فقال بعض القوم ، إنها قول الحق سبحانه : ( وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا ). صدق الله العظيم ، فكرر الإمام علي : حسنة ، وليست إياها ، فقال بعض القوم ، هي ققول الحق سبحانه : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ).صدق الله العظيم ، فقال الإمام علي حسنة ، وليست إياها.
التشويق والتهيئة :
فقال بعض القوم ، هي قوله سبحانه : (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ ). صدق الله العظيم ، فقال الإمام علي ، حسنة وليست إياها ، وصمت القوم وأحجموا فقال الإمام علي كرم الله وجهه : ما بالكم يا معشر المسلمين ؟ كأنه يسألهم لماذا سكتم !؟ .. فقالوا : لا شيء ، فهكذا جعل الإمام علي التشويق أساساً ، يبني عليه ما سوف يقوله لهم.
أرجى آية في القرآن الكريم :
واشرأبت أعناقهم ، وأرهفوا السمع ، فقال لهم الإمام علي : سمعت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أرجى آية في كتاب الله هي قوله سبحانه وتعالى : (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ ). صدق الله العظيم .
الصلوات كنهر جار :
ياعلي إن أحدكم ليقوم من وضوئه فتتساقط عن جوارحه ذنوبه ، فإذا أقبل على الله بوجهه وقلبه لا ينفتل ، أي لا يلتفت ، إلا وقد غفر الله له كل ذنوبه ، كيوم ولدته أمه ، فإذا أحدث شيئًا بين الصلاتين فله ذلك ، ثم عدّ الصلوات الخمس واحدة واحدة ، فقال : بين الصبح والظهر ، وبين الظهر والعصر ، وبين العصر والمغرب ، وبين المغرب والعشاء ، وبين العشاء والفجر ، ثم قال صلى الله عليه وسلم : يا علي إنما الصلوات الخمس لأمتي كنهر جار بباب أحدكم ، أو لو كان على جسد واحد منكم درن ، ثم اغتسل في البحر ، أيبقى على جسده شيء من الدرن ؟ قال : فذلكم والله الصلوات لأمتي .
الصلاة مجالها عمر الإنسان كله :
ولذلك لو نظرنا إلى الأعمال لوجدنا كل عمل له مجاله ، في عمره إلا مجال الصلاة ، فمجالها كل عمر الإنسان ، ويقول الحق سبحانه بعد ذلك : ( وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ )صدق الله العظيم ، وجاءت كلمة اصبر ، لتخدم كل عمليات الاستقامة ، وكذلك يقول سبحانه وتعالى : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ). صدق الله العظيم .
أنواع الصبر وتفسير الآية :
والصبر نوعان : صبر على وصبر عن ، وفي الطاعات يكون الصبر على مشقة الطاعة ، مثل صبرك على أن تقوم من النوم لتصلي الفجر ، وفي اتقاء المعاصي ، يكون الصبر على الشهوات ، وهكذا نعلم أن الصبر على إطلاقه مطلوب في الأمرين : في الإيجاب للطاعة ، وفي السلب عن المعصية .
ونحن نعلم أن الجنة حفت بالمكاره ، فاصبر على المكاره ، وحفت النار بالشهوات ، فاصبر عنها ، وافرض أن واحدًا يرغب في أكل اللحم ، ولكنه لا يملك ثمنها ، فهو يصبر عنها ، ولا يستدين .