عبدالله بن الزبير هو رجل من صغار الصحابة ، وهو ابن الزبير ابن العوام وأسماء بنت أبي بكر ، وقد اشتهر بكنيتيه “أبي بكر” و “أبي خبيب” ، ولقد قام بالدفاع عن الخليفة عثمان بن عفان حينما تمت محاصرته من قِبل الثائرين أثناء فترة الفتنة التي أدت إلى مقتله ، واشتدت الأحداث فيما بعد داخل الدولة الإسلامية وبعد أن توفي معاوية ابن أبي سفيان رفض ابن الزبير أن يبايع يزيد ابن معاوية كخليفة للمسلمين .

خلافته واستشهاده :
قام يزيد ابن معاوية بمعاملة بن الزبير بقسوة ، فلجأ ابن الزبير إلى البيت الحرام ، ولكن بن معاوية قام بإرسال جيش من أجل محاصرته في مكة ، ولم يتم رفع ذلك الحصار إلا بعد أن توفي يزيد عام 64 هجريًا ، فقام بن الزبير بإعلان نفسه كخليفة للمسلمين بعد وفاته ، وقام باتخاذ مكة عاصمة لحكمه .

قامت معظم الولايات الإسلامية بمبايعة بن الزبير إلا بعض المناطق داخل بلاد الشام ؛ حيث كانت تعمل تلك المناطق على مساندة الأمويين ودعمهم من أجل استعادتهم لزمام الأمور والحكم ، لذلك لم تستطع دولة بن الزبير الصمود كثيرًا بسبب قيام ثورات داخلية ضد حكمه ، وكانت ثورة المختار الثقفي بالعراق واحدة من أبرز تلك الثورات ، كما اجتمع الأمويون حول مروان بن الحكم ، ومن بعده كان الاجتماع على ابنه عبد الملك بالشام ، وقد مكنّهم ذلك من استعادة باقي المناطق بمصر والشام ثم استعادة الحجاز والعراق .

تمكن الأمويون من الاستيلاء على المدينة ، وحينها فكر ابن مروان بأن الفرصة قد أتيحت لهم للتخلص من ابن الزبير ، فقام بإرسال جيش ضخم يقوده الحجاج بن يوسف الثقفي من أجل قتاله ، فنزل الثقفي بجيشه إلى الطائف وقام بإرسال السرايا إلى عرفة حتى تتقاتل مع سرايا ابن الزبير ، وفيما بعد قام الحجاج بطلب الإمدادات والاستئذان من عبد الملك كي يدخل مكة من أجل محاصرة ابن الزبير .

قام عبد الملك بمكاتبة طارق ابن عمرو بالمدينة حتى يلحق بجيش حجاج في ذي الحجة لسنة 72 هجريًا ، فقام الحجاج بنصب المنجنيق (آلة حربية كانت تُستخدم لقذف الحجارة والسهام) فوق جبل أبي قبيس ، وتمكن من تشديد الحصار على مكة لدرجة جعلت الناس تصاب بجماعة شديدة ؛ مما جعل ابن الزبير يضطر إلى ذبح فرسه من أجل إطعام الناس .

عقب هذه الأحداث قام معظم أصحاب ابن الزبير بالتخاذل عنه حتى ابناه خبيب وحمزة ، وقد قام الحجاج بتأمينهم على أنفسهم ، شعر ابن الزبير أن الحصار يشتد عليه ، فذهب إلى أمه أسماء بنت أبي بكر ليشكو لها ما لاقاه من تخاذل الأصحاب والأهل ، فقالت له أمه :”أنت والله يا بني أعلم بنفسك ؛ إن كنت تعلم أنك على حق وإليه تدعو ؛ فامض له ، فقد قتل عليه أصحابك .

~ولا تمكن من رقبتك يلعب بها غلمان أمية ، وإن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت! أهلكت نفسك وأهلكت من قتل معك ، وإن قلت : كنت على حق فلما وهن أصحابي ضعفت ؛ فهذا ليس فعل الأحرار ولا أهل الدين ، وكم خلودك في الدنيا! القتل أحسن “.

بعد أن استمع ابن الزبير إلى حديث أمه ؛ قام بتقبيل رأسها ثم سألها أن تقوم بالدعاء لأجله ، وانصرف وهو يعزم على متابعة القتال ، ولم يمض الكثير من الوقت حتى قام الجيش بالهجوم على مكة ، فقتلوا الكثيرين من أهلها ومن أصحاب ابن الزبير الذي قاتلهم قتالًا قويًا حتى تمكنوا منه وقتلوه وهو متعلقًا بأستار الكعبة .

كما قتلوا معه عبد الله بن صفوان الجمحي وعبد الله بن مطيع العدوى ، وقد اُستشهد ابن الزبير يوم الثلاثاء الموافق 17 جمادي الآخر لسنة 73 هجريًا ، وذلك بعد حصار دام لأكثر من ثمانية أشهر بمكة .

تم قطع رأس ابن الزبير وإرساله إلى عبدالملك بن مروان ، وقام الحجاج بصلب جسده عند الحجون في مكة ، وظلّ مصلوبًا حتى مرّ أمامه عبد الله بن عمر قائلًا :”رحمة الله عليك يا أبا خبيب ، أما والله لقد كنت صوّامًا قوّامًا”، ثم أرسل إلى الحجاج قائلًا :”أما آن لهذا الراكب أن ينزل؟”، وتم انزاله ودفنه هناك بعد أن قام أخاه عروة بالصلاة عليه ، وتوفيت أمه بعده بأشهر في المدينة .

By Lars