اشتهر صحابة رسول الله صلّ الله عليه وسلم بسيرهم العطرة ، وذلك لما قاموا به من أدوار عظيمة لخدمة الدين الإسلامي ، فدافعوا عنه بأرواحهم وأولادهم وأموالهم ، وقد كان الصحابي عبدالله بن رواحة واحدًا ممن نالوا شرف الشهادة ؛ حيث قُتل يوم مؤتة في العام الثامن للهجرة .
نسبه وسيرته :
هو عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن عمرو بن امرئ القيس بن مالك الأصغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج ، وينتمي إلى بني الحارث وهي واحدة من بطون قبيلة الخزرج الأزدية ، كما تنتمي أمه أيضًا إلى بني الحارث ، وقد اشتهر بكنية “أبي عمرو”، وذُكر أنه كُني بأبي محمد ، وقيل أيضًا أبي رواحة ، وهو أخ من الأم لأبي الدرداء ، وهو أيضًا خال النعمان بن بشير .
كان عبدالله بن رواحة من الأنصار الذي سبقوا إلى دخول الإسلام ، وكان واحدًا من النقباء الأنصار الاثني عشر في بيعة العقبة ؛ حيث كان ينوب عن بني الحارث من الخزرج ، وذهب إلى يثرب مع رسول الله صلّ الله عليه وسلم بعد الهجرة ، وتمت مؤاخاته مع المقداد بن عمرو ، وقد شارك في غزوة بدر ، ثم أرسله الرسول بعد الانتهاء من المعركة ليُبشر الأنصار بالنصر ، وشارك أيضًا في بعض الغزوات الأخرى وهي أحد والخندق وخيبر ، كما شارك في صلح الحديبية .
شهد عبد الله بن رواحة عمرة القضاء مع رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، وقد أمره النبي في ذلك اليوم قائلًا :”انزل فحرّك بنا الرِكاب” ، فقام بالإنشاد قائلًا : يا رب لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا .. فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا.. إن الكفار قد بغوا علينا وإن أرادوا فتنة أبينا .
أسند إليه الرسول عدة مهام حيث قام باستخلافه على المدينة حينما همّ للخروج إلى غزوة بدر الموعد ، كما بعثه على رأس سرية مكونة من ثلاثين رجلًا ليكون قائدهم من أجل أن يقاتل اليهودي أسير بن رزام في خيبر وقد تمكن بالفعل من قتله ، وقام الرسول أيضًا بإرساله كخارصًا من أجل تقدير زكاة الزروع والنحل بخيبر .
وكان بن رواحة واحدًا من القلائل الذين يجيدون الكتابة داخل يثرب ، وعُرف على أنه شاعرًا فطنًا ، فكان يتولى مهمة الرد على الذين يقومون بهاء الرسول والمسلمين ، وذلك بصحبة كعب بن مالك وحسان بن ثابت ، ومن الأشعار التي وردت عنه في رسول الله : إني تفرست فيك الخير أعرفه.. والله يعلم أن ما خانني البصر.. أنت النبي ومن يحرم شفاعته يوم الحساب فقد أزرى به القدر.. فثبت الله ما آتاك من حسن.. تثبيت موسى ونصرًا كالذي نصروا .
قام رسول الله صلّ الله عليه وسلم باختيار بن رواحة ليكون قائدًا ثالثًا لجيش المسلمين بالشام والذي تكوّن من 3000 مقاتل ، حيث قام بمواجهة جيشًا ضخمًا مكون من 200.000 محارب من الغساسنة والروم ، وعسكر الجيش الإسلامي ناحية معان ، ثم وصلهم نبأ جموع الروم ، فقام زيد بن حارثة وهو القائد الأول باستشارة أصحابه ؛ فقالوا له : قد وطئت البلاد وأخفت أهلها ؛ فانصرف”، وفي ذلك الوقت كان بن رواحة صامت ، وحينما سأله بن حارثة ؛ أجابه قائلًا :” إنا لم نسر لغنائم ولكنا خرجنا للقاء ولسنا نقاتلهم بعدد ولا عُدّة والرأي المسير إليهم”.
قام بن رواحة بتشجيع جيش المسلمين بعد أن بلغهم نزول هرقل في مؤاب ؛ حيث قال لهم :” يا قوم والله إن الذي تكرهون التي خرجتم لها الشهادة” ، وبالفعل تقابل الجيشان في مؤتة لعام 8 هجريًا ، وقد واجه الجيش الإسلامي موقفًا غاية في الصعوبة بسبب التفوق العددي لجيش الروم ، وقد اُستشهد القادة الثلاثة في هذه المعركة ، وقد قام بن رواحة بعد أن طُعن باستقبال الدم بيده ودلّك وجهه به ثم قام باختراق الصفوف قائلًا :”يا معشر المسلمين ؛ ذُبُوا عن لحم أخيكم” ، واُستشهد بن رواحة في هذه المعركة دون أن يعقب من الابن .