تذخر قصص الصحابة بالكثير من العبر ، والمواعظ والدروس المستفادة ، التي تعلمنا منها جميعًا الشجاعة والثقة بالنفس ، وكيف نكون صادقين مع أنفسنا أولاً ، ثم مع من حولنا ثانيًا ، فالله يرانا ويعلم بأنفسنا قبل أن نتفوه بكلمة ، ولعل أهم ما تعلمناه بالفعل هو أن الدين المعاملة .
الصحابي الكريم جرير بن عبدالله البجلي ، كان أحد رجال أهل اليمن الأشداء ، وكان يملك الكثير من الصفات الحسنة التي يجب أن يمتلكها كل مسلم ، وقد أخبر بتلك الصفات الطيبة ، رسولنا الكريم صلّ الله عليه وسلم ، واصفًا إياه بأنه جميل الوجه والمنظر ، إلى جانب شجاعته المعروفة عنه كثيرًا ، وكرمه وكرم أخلاقه الحميدة .
وكان عبد الله البجلي ، قد أتى ذات يوم إلى المدينة ، وكان آنذاك شهر رمضان الكريم ، ودخل إلي المدينة من الباب ، الذي أشار إليه النبي الكريم ، صل الله عليه وسلم ، فرآه الناس ووجدوه كما وصفه النبي بالفعل ، وبسط له النبي الكريم رداءه ليجلس عليه ، وقال لقومه أنه إذا جاءهم كريم فلابد لهم أن يكرموه ، ثم استدار لعبدالله وحدّثه بشأن بيت الخلصة ، طالبًا منه أن يخلصهم منه ، فذكر له عبدالله أنه لا يثبت أو يستقر على ظهر الخيل ، فدعا له النبي الكريم أن يثبته الله ، ويجعله هاديًا مهديًا ، فذكر عبد الله أن لم يقع من على ظهر فرس قط ، من بعدها .
عقب ذلك انطلق عبد الله بن بجلي ، صوب دار الخلصة برفقة خمسين رجلاً ، من الرجال الأشداء وقاموا بإشعال النيران في الدار ، حتى أحاط بها السواد من كل جانب ، فأرسل بن بجلي إلى النبي صلّ الله عليه وسلم ، برجل يبشره بخلاصه من تلك الدار ، التي كانت مقرًا للأصنام .
وكان بن بجلي قد عرف عنه الصدق والأمانة أيضًا ، إلى جانب شجاعته وإقدامه وأنه لا يخش في الحق لومة لائم ، فأرسل له الفاروق عمر بن الخطاب ذات يوم ، ليخرج برفقة عدد من الرجال الأشداء ، لملاقاة الفرس في مقابل الحصول على ربع ما يغتنمونه ، من معركتهم مع أعدائهم .
وكان الفرس قد تعلموا الدرس ، من معاركهم السابقة مع المسلمين ، فجمعوا جموعهم وحفروا خندقًا في مكان يدعى جلولاء ، فخرج عليهم المسلمون في جمع غفير من الأبطال ، من جنود وفرسان المسلمين من الرجال الأشداء ، من المهاجرين والأنصار وانطلقوا في مواجهة الفرس فهزموهم ، وانتصروا عليهم ولاذ بقيتهم بالفرار من أمام سيوف المسلمين ، بينما قتل الكثيرون منهم على أيدي المسلمين ، وكان من أبرز الهاربين منهم ، هو قائدهم مهران الذي لحق به أحد جنود المسلمين ، وهاجمه وقتله .
عقب ذلك قام المسلمون بجمع الغنائم ، فأخبرهم عبدالله البجلي أن له ورجاله ربع الغنيمة ، فتوقف القائد عن توزيع الغنائم وأرسل كتابًا إلى عمر بن الخطاب ، سأله فيه عن صحة قول بن البجلي ، فأرسل له عمر ، وأخبره أن بن البجلي صادق ، وأنه إذا كان قد قاتل في سبيل الغنيمة فليعطها له ، وأما إذا كان قد قاتل هو ورجاله ، من أجل القتال فقط ، فليعطه ما تم الاتفاق عليه ، وأم إن قاتل من أجل الله ورسوله ، فله نصيب مثل المسلمين ، وعندما علم بن البجلي بكتاب عمر ، قال أن أمير المؤمنين قد صدق ، وأنه لا يرغب بالغنيمة في مقابل الحصول على الجنة .