قام المنافقون في عهد رسول الله صلّ الله عليه وسلم بأفعال مشينة لتفريق المؤمنين ، ومن بين تلك الأشياء التي فعلوها هي بناء “مسجد ضرار” ، وهو المسجد الذي تم بنائه لأبي عامر الذي عُرف بأبي عامر الراهب ، والذي كان متنصرًا في العهد الجاهلي وكان المشركون يقومون بتعظيمه ، وحينما جاء نبي الله بالدعوة إلى الإسلام قام بالفرار إلى الكفار ، وقد قامت طائفة من المنافقين بالعمل على بناء ذلك المسجد ، وكان قصدهم من بنائه أن يكون لأبي عامر ولم تكن نيتهم أنه إرضاءًا لله ورسوله.
وقد تحدث البركتي وهو أحد العلماء الأحناف في أمر ذلك المسجد قائلًا : “هو مسجد اتخذه المنافقون ضرارًا وكفرًا وتفريقًا بين المؤمنين ؛ وإرصادًا لمن حارب الله ورسوله في عهد النبي فأنزل الله فيه ” لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا” ، فهدمه النبي وأحرقه فهو مسجد خاص ، نعم يُلحق به في الذم وعدم الثواب كل مسجد بني مباهاة أو رياء أو سمعة أو لغرض سوى ابتغاء وجه الله تعالى ، أو بمال غير طيب لكن ليس هو مسجد ضرار حقيقة حتى يهدم ويحرق والله أعلم “.
قصة بناء المسجد :
ذُكر أنه حينما قام بنو عمرو بن عوف ببناء مسجد قباء ؛ كان الرسول صلّ الله عليه وسلم يذهب للصلاة فيه ، فحسدتهم على ذلك بنو غنم بن عوف حيث قالوا : نبني مسجدًا ونرسل إلى رسول الله صلّ الله عليه وسلم يصلي فيه ويصلي فيه أبو عامر الراهب إذا قدم من الشام ليثبت لهم الفضل والزيادة على إخوانهم .
وقد كان النبي صلّ الله عليه وسلم قد أطلق على أبي عامر لقب الفاسق ، وقد قال له الرسول :” لا أجد قومًا يقاتلونك إلا قاتلتك معهم ” ، ولم يزل النبي يقاتله حتى يوم حنين ، حيث قد انهزمت هوازن مما جعله يفر هاربًا إلى بلاد الشام ، ثم قام بإرسال رسالته إلى المنافقين قائلًا :” استعدوا بما استطعتم من قوة وسلاح ؛ فإني ذاهب إلى قيصر وآت بجنود ؛ ومخرج محمد وأصحابه من المدينة ” .
فقام المنافقون على إثر رسالة أبي عامر ببناء مسجد ضرار بالقرب من مسجد قباء ، ثم قالوا للرسول :”بنينا مسجدًا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والشاتية ، ونحن نحب أن تصلي لنا فيه وتدعو لنا بالبركة ” ، فقال لهم الرسول :” إني على جناح سفر وحال شغل وإذا قدمنا إن شاء الله صلينا فيه”.
وحينما قفل رسول الله من غزوة تبوك ؛ قام المنافقون بسؤاله أن يذهب إلى مسجدهم ، فنزل الوحي على النبي في قوله تعالى :” وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ ۚ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ ۖ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا ۚ لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ ۚ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)”.
فقام رسول الله صلّ الله عليه وسلم بالدعوة إلى هدم ذلك المسجد حيث قال إلى من دعاهم : “انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه وأحرقوه” ، فقاموا بتنفيذ ما أمرهم به الرسول ، وقد أمر فيما بعد أن يستبدلوا مكانه بكناسة يتم إلقاء القمامة والجيف فيها ، وقد ورد أيضًا في القرآن الكريم بشأن أمر هذا المسجد قوله تعالى :” مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَىٰ أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ ۚ أُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ”.
من هم الذين بنوا المسجد؟ :
لقد قام ببناء مسجد ضرار من المنافقين اثنى عشر شخصًا وهم خذام بن خالد وهو ينتمي إلى بني عبيد بن زيد ؛ وقد أُخرج من داره مسجد الشقاق ، وثعلبة بن حاطب وينتمي إلى بني عبيد وهو إلى بني أمية بن زيد ، ومتعب بن قشير وينتمي إلى بني ضبيعة بن زيد ، وأبو حبيبة بن الأذعر وهو أيضًا من بني ضبيعة بن زيد ، وعباد بن حنيف وهو من بني عمرو بن عوف ، وجارية بن عامر ، ومجمّع بن جارية ، وزيد بن جارية ، ونبتل بن الحارث وبحزج وبجاد بن عثمان وهم ينتمون إلى بني ضبيعة ، ووديعة بن ثابت والذي ينتمي إلى بني أمية رهط أبي لبابة بن عبد المنذر .