من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، وكان الصحابي الجليل أبو دجانة الأنصاري واحدًا من هؤلاء ، فقد عاهد الله ورسوله الكريم على إعلاء راية الإسلام والدفاع عنه حتى أخر رمق ، وكان له عصابة حمراء إذا ربطها على رأسه هبت رياح الموت في جيوش المشركين .
اسمه أبو دجانة سماك بن أوس بن خرشة بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة الأنصاري ، صحابي جليل من صحابة رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، وهو من الأنصار من بني ساعدة
وكان من أول من أسلم من النصارى وأخا الرسول بينه وبين عتبة بن غزوان .
وكان لأبو دجانة الأنصاري نصيب الأسد في خوض المعارك بصحبة رسول الله حيث حضر غزوة بدر ، وصال فيها وجال حتى شهد له الجميع بأنه مقدام شجاع لا يخاف الموت ، يشق صفوف الأعداء ويقتلهم تقتيلًا ، وقد صرع يومها زمعة بن الأسود .
وفي غزوة أحد ثبت يوم فر وتقهقر المسلمين للخلف ، وأشتهر يومها باسم عصبة الموت ، فيروي سيدنا الزبير بن العوام رضي الله عن رسول الله في غزوة أحد أنه قال : من يأخذ هذا السيف بحقه ؟ فقمت فقلت أنا يا رسول الله ، فأعرض عني ثم قال من يأخذ هذا السيف بحقه ؟ فقلت أنا يا رسول الله ، ثم قال من يأخذ هذا السيف بحقه ، فقام أبو دجانة فقال أنا أخذه يا رسول الله بحقه ، فما حقه ؟
قال رسول الله صلّ الله عليه وسلم : ألا تقتل به مسلمًا ولا تفر به من كافر ، وبعد أن أخذ أبو دجانة السيف من يد نبي الله ، أخرج عصابته فتعصب بها وقال: إني امرؤ عاهدني خليلي أن لا أقيم الدهر في الكبول ، إذ نحن بالسفح لدى النخيل ، أضرب بسيف الله والرسول ، وكان يتبختر بين الصفوف .
فقال رسول الله صلّ الله عليه وسلم : إنها مشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن ، وبعدها انطلق أبو دجانة في صفوف المشركين وجعل لا يرى أحدًا منهم إلا قتله ، حتى وصل لقائدة جيش نسوة المشركين ، وكانت هند بنت عتبه .
فلما شهر سيفه في وجهها صرخت ، فعلم أنها امرأة وأبى أن يقتلها بسيف رسول الله ، وكان من ضمن من حموا ظهر النبي في غزوة أحد ، حينما هزم المسلمون وتكاثر عليه مشركي قريش ، فتصدى لها بظهره وتلقى النبال عن رسول الله .
كما حضر أبو دجانة غزوة خيبر وقتل يومها سيد يهود خيبر الحارث أبا زينب ، وكان من أسباب النصر يومها فعندما خرج رجل من اليهود وطلب مبارزة أحد المسلمين ، بعد أن قتل اثنين من المسلمين ، خرج أبو دجانة فقتله فكبر النبي صلّ الله عليه وسلم ، ودخلوا خيبر بعدها منتصرين .
وامتدت مشاركة أبو دجانة في الغزوات حتى بعد وفاة النبي صلّ الله عليه وسلم ، فقد حضر الصحابي الجليل معركة اليمامة ، وانكسرت رجله في اقتحامها ولكنه رغم ذلك ثبت في القتال وأبلى يومها بلاءً حسنًا .
وأراد الله أن يختم له بالشهادة بعد أن شارك في قتل مسيلمة الكذاب ، فقُتل الصحابي الجليل رضي الله عنه بتلك المعركة ، وكان هذا في عام 12 هجرية العام الذي انتصر به المسلمين على مدعي النبوءة ، وأعلوا راية الله ورسوله لأبد الآبدين .