يروى أنه إبان غزوة خيبر ، دخل رجل يدعى الحجاج بن علاط السلمي ، إلى الإسلام وكان هذا الرجل يقطن في مكة ، فلما أتى الفتح إلى خيبر ، حضر هذا المسلم الجديد إلى نبي الله الكريم ، صلّ الله عليه وسلم ، وتحدث معه بشأن ماله ، فأخبره أن لديه مالاً كثيرًا في حوزة ، تجار مكة وأنه يخشى ، إن علموا بإسلامه ألا يعطونه ماله ، أو ينل منه شيئًا قط ، وطلب من النبي الكريم أن يأذن له ، بما يمكن قوله لتجار مكة ، ليستخلص منه ماله ثم يعود مرة أخرى إلى خيبر ، فأذن له الرسول صل الله عليه وسلم .
انطلق الحجاج صوب مكة لملاقاة التجار بها ، حيث وضع ماله وأثناء دخوله إليها ، وجد أهلها يسألونه عن الرسول صلّ الله عليه وسلم مع خيبر ، وعن أخباره ولم يكونوا يعلموا بأنه قد فتحها .
وهنا عندما رأوا الحجاج قد قدم إليهم من خيبر ، فسألوه هل تعلم شيئًا عن أخبار محمد مع أهل خيبر يا حجاج ؟ فأدرك الحجاج مرادهم وأجابهم أنه لديه ، الأخبار التي يريدون سماعها وتسرهم ، فقالوا له وما هي ؟ فأخبرهم أن أهل خيبر قد انتصروا على محمدٍ ، نصرًا ليس له مثيل قط ، ولم يسمع به أحد قبلهم وقتلوا أصحاب محمد كلهم ، ثم أسروا محمد نفسه ولم يقتلوه ، عسى أن يرسلوه إلى أهل مكة ، ليقتلوه هنا فيها ، فصاح أهل مكة فرحين فرحًا لا مثيل له ، وطافوا كافة أرجاء مكة يتناقلون تلك الأخبار العظيمة بشأن محمد ، ومن معه من أصحابه مستبشرين بها ، وصار بعضهم يبشر الآخر مهللاً مسرورًا ، بأن محمد سوف يأتيهم أسيرًا ليقتلوه بأيديهم .
فرح الحجاج بشدة بما فعله ، وطلب من أهل مكة أن يساعدوه على جمع أمواله من تجارهم ، فتسابق أهل مكة خدمة له بما بشرهم به من أخبار ، وجمع الحجاج ماله في غضون ساعات قليلة وأسرع مما توقع حينها ، حيث أخبرهم الحجاج بفطنته أيضًا ، أنه يرغب في جمع ماله حتى يذهب به إلى أهل خيبر ، ويشتري بها الغنائم التي جمعها اليهود ، عقب أسر النبي وقتل أصحابه ، وذلك قبل أن يصل إليهم غيره من التجار .
سمع العباس عم النبي بما قيل وانتشر في أرجاء مكة ، فذهب إلى الحجاج يسأله عن صحة تلك الأخبار ، وهو يجمع المال من تجار مكة ، فأجابه أنه لن يستطيع الحديث معه ، سوى بعد أن يفرغ من عمله ، فانتظره العباس .
جاء الحجاج إلى العباس عم الرسول ، وقال له اكتم حديثي يا أبا الفضل (أي العباس) ، وذلك لثلاثة أيام ثم افعل بعدها ما شئت ، فقال له العباس سأفعل ، فأخبره الحجاج أن الأخبار التي وردت بشأن خيبر ، ليس بصحيحة وأن الله قد منّ على النبي ، ففتح خيبر ثم تزوج من صفية بنت يحي ، ابنة ملكهم وأصبحت خيبر ملكًا له ولأصحابه ، فاندهش العباس وقال له أحقًا ما تقول !! فأجابه الحجاج أنه صادق ، وطلب منه أن يتكتم الأخبار وأبلغه أنه قد أسلم ، وأنه قد أتى إلى مكة ليأخذ أمواله ، من هؤلاء التجار الكفار حتى لا يحرموه إياها ، بعد أن أسلم مع نبي الله الكريم .
ثم طلب من العباس ألا يتحدث بشيء ، سوى بعد سفره بثلاثة أيام ، وله ما يشاء أن يتحدث به. فمضت ثلاثة أيام ثم ارتدى أبا الفضل أفضل الثياب ، وخرج ليطوف مكة فرآه الناس بها ، فأخبروه أن هذا هو التجلد والصبر ، على ما سمع من مصائب بشأن خيبر ، فقال لهم أن والله ما سمعوه من أخبار كان خاطئًا ، وأخبرهم أن محمدًا قد فتح خيبر ، وأتى الحجاج والنبي يتزوج من ابنة ملكهم ، وقد صارت خيبر ملكًا لمحمد وأصحابه ، فسألوه من أتاه بتلك الأخبار ؟ فقال لهم هو نفسه الذي أخبركم بما تزعمون الآن ، ولقد جاءكم مسلمًا أيضًا ليأخذ ماله ، ويعود إلى محمد وأصحابه .
فشعر أهل مكة بالخيبة والضغينة الشديدة ، وأتاهم عقب فترة قصيرة توكيدًا لكلام العباس عم الرسول ، وقالوا لقد لعب بنا الحجاج ، وأخذ مالنا وانقلبت بُشراهم إلى خيبة ، وفرح المؤمنون بنصر الله ، وكُب المشركون وانقلبوا محسورين .