حظيّ صحابة رسول الله صلّ الله عليه وسلم بالعيش في كنفه وعطفه وعلمه ؛ فانتهلوا من نهر محبته الذي لا ينفذ ، وقد كان الصحابي جُليبيب هو أحد الصحابة غير المعروفة النسب ؛ غير أنه قد ذُكر أنه من بني ثعلبة حليفًا في الأنصار .
تميز جُليبيب بحُسن الخُلق ودمامة الخِلقة ، كان يعتاد الجلوس بكثرة عند رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، وفي أحد الأيام قال له الرسول الكريم : ألا تتزوج يا جليبيب ؟ ؛ فأجابه : ومن يزوجني يا رسول الله ؟ ؛ حينها قال له الرسول صلّ الله عليه وسلم : أنا أزوجك يا جُليبيب ، زاد انتباه جُليبيب إلى الرسول مُلتفتًا إليه وهو يقول : إذن تجدني كاسدًا يا رسول الله ؛ فقال له رسول الله : غير أنك عند الله لست بكاسد .
قام رسول الله صلّ الله عليه وسلم بالبحث عن الفرصة المناسبة ليقوم بتزويج جُليبيب ؛ إلى أن جاءه ذات يوم رجل من الأنصار قد مات زوج ابنته ؛ فذهب إلى رسول الله ليعرض عليه أن يتزوج من ابنته ، فأجابه الرسول الكريم بقوله : نعم ولكن لا أتزوجها أنا ، فسأل الرجل قائلًا : لمن يا رسول الله ؟ ، فأجابه المصطفى صلّ الله عليه وسلم : أزوجها جُليبيبًا ، فأجاب الرجل : انتظر يا رسول الله حتى أستأمر أمها ، وهو يقصد أن يسأل أمها عن رأيها في زواج ابنتها من جُليبيب .
ذهب الرجل إلى زوجته وقصّ عليها ما حدث مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلًا : إنه رسول الله يخطب إليكِ ابنتك ، في ذلك الوقت شعرت الزوجة بالفرح الشديد قائلة : نعم ونعمين برسول الله ؛ ومن يرد رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، فقال لها زوجها : ولكن رسول الله لا يريدها لنفسه ، فسألته الزوجة : لمن؟ ، فأجابها : إنه يريدها لجُليبيب ، فتعجبت الزوجة قائلة : لجليبيب ! لا لعمر الله لا أزوجها لجُليبيب ؛ وقد منعناها الزواج من فلان وفلان .
شعر الرجل بالحزن الشديد والغم ؛ وهمّ ليذهب إلى رسول الله صلّ الله عليه وسلم ليخبره برفض زواج ابنته من جُليبيب ؛ غير أن ابنته نهضت وسألت أبيها قبل أن يرحل : من خطبني إليكما؟ ، فأجابها أباها قائلًا : خطبكِ رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، فقالت الابنة : أفتردان على الرسول صلّ الله عليه وسلم أمره ؛ ادفعاني إلى رسول الله فإنه لن يُضيعني.
ذهب الرجل إلى رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، وأعلن قبول طلبه بزواج ابنته من جُليبيب ، فقام الرسول الكريم باستدعاء جُليبيب من أجل أن يُخبره بأنه قد خطب لأجله عروسًا ، وبالفعل تمت الزيجة بمباركة رسول الله ؛ حيث رفع يديه الشريفتين مُتضرعًا إلى الله تعالى بالدعاء قائلًا : اللهم صبّ عليهما الخير صبًا ؛ ولا تجعل عيشهما كدًا كدًا .
لم يمض على زواج الصحابي جُليبيب إلا عدة أيام ؛ حتى قامت إحدى الغزوات التي خرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الصحابة ، وحينما علم جليبيب بأمر تلك الغزوة لم يتوانى عن المشاركة مع رسول الله لنصرة دين الله ونصرة رسوله الكريم صلّ الله عليه وسلم .
حينما انتهت المعركة بدأ الناس يجتمعون للبحث والتفقد لكل من شارك في الغزوة ، فسأل الرسول صلى الله عليه وسلم قائلًا : هل تفقدون من أحد؟ ، فأجابوه : نعم يا رسول الله ؛ نفقد فلان وفلان وفلان ، فقال رسول الله : ولكنني أفقد جُليبيبًا ؛ فقوموا نلتمس خبره .
أخذ الناس يبحثون عن جُليبيب بين القتلى حتى وجدوه في أحد الأماكن القريبة منهم بجوار سبعة من الكافرين ؛ حيث قد قتلهم جميعًا ؛ ولكنه جُرح أثناء القتال وغلبه الألم حتى نال شرف الشهادة ، حينها وقف رسول الله صلّ الله عليه وسلم قائلًا على جسده : قتلتهم ثم قتلوك أنت مني وأنا منك ؛ أنت مني وأنا منك .
قام رسول الله صلّ الله عليه وسلم بحمل جثمان جُليبيب على ساعديه الكريمتين ، وأمر من حوله بحفر قبر من أجله ، وعن أنس رضي الله عنه أن الرسول الكريم ظلّ حاملًا لجسد جُليبيب حتى انتهوا من حفر قبره ، وحينما رجعوا إلى المدينة أصبح الرجال يتسابقون من أجل الزواج من زوجة الصحابي جُليبيب بعد انتهاء أشهر العدة .