لقد أوضح رسول الله صلّ الله عليه وسلم الكثير من الأمور التي قد تبدو غامضة لكافة البشر ، وقد تحدث في بعض الأمور التي تتعلق بالأنبياء السابقين ، وكان من بين ما تحدث عنه رسول الله صلّ الله عليه وسلم فيما يخص نبي الله إبراهيم ؛ هو موضوع الكذبات الثلاث الذي حار فيه صحابة رسول الله صلّ الله عليه وسلم .
بينما كان يجلس الصحابة مع رسول الله صلّ الله عليه وسلم سألوه قائلين : لقد حدثتنا رسول الله صلّ الله عليه وسلم أن نبي الله إبراهيم عليه السلام حينما يأتيه المؤمنون ليطلبوا منه الشفاعة يوم القيامة ليدخلوا الجنة ؛ فإنه يذكر كذباته قائلًا “نفسي .. نفسي.. اذهبوا إلى موسى” ، فما هي كذبات نبي الله إبراهيم ؟ وهل هناك نبي يكذب ؟
لقد وقف الصحابة حائرين بشأن كذبات النبي إبراهيم ، ولكن رسول الله صلّ الله عليه وسلم قد أزال هذه الحيرة حينما قام بالإجابة على سؤالهم قائلًا وهو ينظر إليهم متبسمًا : كذب إبراهيم ثلاث كذبات ” في عرف الأنبياء إذ كل حركة وسكنة محسوبة عليهم ، وعين الخلق “محبهم ومبغضهم” تتابعهم ، يُحصلون ما يفعلون وما يقولون ، فالمؤمنون يفعلون ذلك إسوة واتباعًا ، والشانئون يفعلونها إرصادًا واحصاءًا .
الكذبة الأولى :
بدأ رسول الله صلّ الله عليه وسلم يوضح ما هي الكذبات الثلاث ؛ حيث ذكر الرسول الكريم ان قوم النبي إبراهيم عليه السلام كانوا أهل تنجيم ، وبينما كان إبراهيم عليه السلام يتأمل نجم جميل في السماء ؛ جاءه قومه يطلبون منه أن يذهب معهم من أجل الاحتفال بمولد هذا النجم ؛ حيث كانت هذه هي عاداتهم وطقوسهم ، ولكن إبراهيم عليه السلام كان يفكر في أمر لا يستطيع أن يقوم بفعله إلا إذا كان الجو خاليًا من البشر ؛ مما جعله يدّعي أنه مصاب بالطاعون ليبتعد عنه الناس ويذهبون إلى طقوسهم ، وكانت هذه هي الكذبة الأولى .
الكذبة الثانية :
سأل الصحابة عن الأمر الذي كان يريد أن يفعله نبي الله إبراهيم بمفرده ، فأجابهم الرسول صلّ الله عليه وسلم أنه كان يريد أن يحطم الأصنام التي يعبدونها ليؤكد لهم أنها ليست آلهة ، ثم أكد الرسول أنه قد ذهب بالفعل ووقف ساخرًا من الأصنام التي وُضع أمامها الطعام ، ثم شرع في تحطيمها وقام بوضع الفأس على كبيرهم ، لعل قومه يتفكرون بأمر هذه الأصنام التي لو كانت آلهة لدافعت عن نفسها .
وحينما دخل قوم إبراهيم إلى معبدهم وجدوا أن آلهتهم قد حُطمت إلا كبيرهم الذي يحمل الفأس ، فتحروا الأمر حتى وصلوا إلى أن إبراهيم هو الذي كان يذكرهم بسوء ، فأتوا به على الفور وسألوه هل هو الذي قام بتحطيم آلهتهم ، وهنا جاء موعد الكذبة الثانية والتي تُعد بمثابة وخزًا لضمائرهم وعقولهم الغائبة ؛ حيث قال لهم : بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون !
أراد نبي الله إبراهيم عليه السلام أن يُطلق صيحة الاستفاقة لقومه ، حتى يعلموا أن آلهتهم لا تستطيع تحريك أي ساكن وذلك لأنها مجرد أصنام من صنع أيديهم ، ولكن أنى لهذه القلوب المتحجرة أن تلين ، وبعد جدال مع النبي إبراهيم قرروا أن يعاقبوه بوضعه حيًا في النار ، ولكن الله تعالى جعلها بردًا وسلامًا على إبراهيم ، ونجا نبي الله من كيد الكافرين .
الكذبة الثالثة :
بعد أن نجا النبي إبراهيم عليه السلام من نار الكفار ، أخذ زوجته سارة وابتعد عن هذه الأرض الفاسدة ، ولكنهما دخلا أرضًا أخرى كان يحكمها أحد الجبابرة ؛ والذي بمجرد أن علم أن هناك رجل غريب ومعه امرأة حسناء ؛ أرسل في طلبه وكان وجهه مليئًا بالشر ، ثم سأل إبراهيم عليه السلام عن المرأة التي معه ؛ فخشي إبراهيم أن يقتله إن قال أنها زوجته ، فأجابه أنها أخته وحينها قال الحاكم الجبار أنه يريدها لنفسه .
وحينما عاد إبراهيم إلى زوجته سارة أخبرها بما حدث وقال لها : أضمرتُ الإخوة في الله فلا تُكذبيني ، وقد حمى الله نبي الله وزوجه سارة من كيد الحاكم الجبار الذي لم يستطيع أن يقترب منها حيث أن يداه كانت تتخشب كلما امتدت تجاهها ؛ مما جعله يعتقها ويهب إليها السيدة هاجر كخادمة .