رويت هذه القصة في صحيح البخاري ومسلم ، وتحكي أنه كان هناك ثلاثة رجال من بني إسرائيل ، ابتلي كل واحد منهم بمرض ما ، فأحدهم كان أبرص أي لديه مرض ، يظهر الجلد ببقع بيضاء اللون ، والآخر كان أعمى والثالث كان أصلع الرأس ويوجد لديه شعر .
وقد ابتلاهم الله بتلك الأمراض ، ثم أرسل لهم ملكه ، فذهب إلى الأبرص ونظر إليه ، فوجده قد ساءت حالته واعتزله الناس ، وليس لديه أصدقاء في هذه الدنيا سوى صديقيه الأصلع والأعمى ، فتلطف معه الملك في الحديث ، وسأله عن أحب الأشياء إليه ؟ فأجاب الرجل أن يصير جلده نقيًا ، ويذهب عنه البرص حتى لا ينفر منه الناس ، فكانت المفاجأة أن دعا له الملك ، ومسح على جسده فزال عنه المرض ، واسترد عافيته .
فرح الرجل بشدة بعدما شفي تمامًا ، فسأله الملك مرة أخرى أي المال أحب إليه ؟ فأجابه أنه يحب الإبل ، فأعطاه الملك ناقة توشك أن تلد ، ودعا ربه أن يبارك له فيها ، فأخذها الرجل وفرح بها جدًا ، وما أن ولدت الناقة حتى كبر وليدها وتكاثروا حتى صاروا قطيعًا هائلاً من الإبل ، وأصبح الرجل ثريًا.
ثم أتى الملك إلى الأصلع ، بعد أن انتهى من الأبرص ، وسأله أي الأشياء أحب إليه ؟ فأجابه أنه يرغب بأن ينبت له شعر طويل ، ويصير جميل حتى لا ينفر الناس من قبحه ، فمسح الملك بيده على رأسه ، فنبت له الشعر الجميل كما أراد ، ثم سأله أي المال أحب إليك ؟ فتهلل وجه الرجل وأجابه أنه يحب البقر ، فمنحه الملك بقرة توشك أن تضع وليدها ، فأخذها الرجل بعد أن دعا له الملك بأن يبارك الله له فيها .
وضعت البقرة حملها ، وتوالدت بمرور السنوات ، حتى صار البقر قطيعًا ، وصار الرجل من الأثرياء مثل صديقه الأبرص سابقًا ، وبعد أن فرغ منه الملك ، ذهب إلى صديقهم الثالث وهو الأعمى ، فتلطف معه وسأله أي الأشياء أحب إليه ؟ فأجابه أن يرى ما يراه المبصرون ، فالناس يتحدثون عن جمال الطبيعة ، وهو لا يرى سوى الظلام ، ويسيرون في أمان ، بينما إن لم يجد هو من يسحبه ويدله على الطريق ، فلن يكون مصيره سوى الآلام عقب التعثر ، وطلب أن يرد الله إليه بصره ، فمسح الملك على عينيه ، فارتد الرجل بصيرًا ، فنظر وتأمل كل ما حوله بفرحة عارمة .
فبادره الملك بالسؤال أي المال أحب إليك فأجابه الرجل أنه يحب الغنم ، فأعطاه الملك شاه كادت أن تضع وليدها ، ففرح بها الرجل كثيرًا وبمرور الأيام وضعت الشاة حملها ، وتكاثرت حتى صار الغنم قطيعًا كبيرًا ، وأصبح الرجل من أثرياء قومه ، وأصبح الرجال الثلاثة من الأثرياء ، وكانت صحتهم دائمًا في تحسن ، وكثر متاعهم ونسي كل منهم ما كان به من مرض وألم .
نسي الثلاثة ما كان بهم ، وفي غمرة هذا النسيان وأثناء تمتعهم بالصحة والمال ، فعاد إليهم الملك ولكن بصورة جديدة ، حيث تجسد للأبرص بأنه رجل أبرص ، وأخبره أنه مسكينًا كان مسافرًا وفقد راحلته ، وسأله أن يعطيه مما أعطاه الله ، فرفض الرجل فقال له الملك أنه كان مثله ، وأعطاه الله وأبرأه من مرضه ، فنفى الرجل ذلك وقال أنه كان غنيًا وورث ماله عن آبائه وأجداده ، فدعا الملك ربه إن كان الرجل كاذبًا ، أن يعيده الله إلى حالته الأولى .
ثم ذهب إلى الرجل الأصلع وطلب منه مثلما طلب من الأبرص ، ورفض الرجل أيضًا وأنكر نعمة الله عليه ، فدعا الملك الله إن كان كاذبًا أن يعيده إلى حالته الأولى ، ثم ذهب إلى الرجل الثالث الأعمى ، فكان صالحًا صادقًا حسن النية ، ومجرد أن أخبره الملك أنه فقير معدم ويرغب بعض المال ، مما أعطاه الله له فأخبره الرجل ، أنه كان أعمى فرد الله له بصره ، وكان فقيرًا فأغناه الله وشكر الله ، فقام الملك وبشره بأن الله قد وفقه ، لشكر نعمته عليه ، وأن هذا رضى من الله عليه .