تحدث القرآن الكريم عن الليلة المباركة التي نزل فيها الوحي بالقرآن الكريم على رسول الله أشرف المرسلين ، وأكد المولى عزوجل في كتابه العزيز فضل تلك الليلة ، وما تحمله من فرح وسعادة للبشرية جمعاء ؛ لما تحتويه من نور إلهي ؛ لتكون منبرًا عظيمًا لهداية الخلائق .
سُميت تلك الليلة المباركة التي نزل فيها الوحي بالقرآن الكريم “ليلة القدر” ، وقد خصصّ لها المولى عزوجل سورة قرآنية باسمها وهي سورة القدر ؛ وهي من قصار السور المكية التي تحدثت عن فضل ليلة القدر .
يقول المولى عز وجل في سورة القدر : بسم الله الرحمن الرحيم إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ .[1]
بدأ الله سبحانه وتعالى الآيات في سورة القدر بقوله تعالى ” إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ” ؛ يتحدث المولى عزوجل في هذه الآية عن القرآن الكريم الذي نزل على رسوله الكريم صلّ الله عليه وسلم في ليلة القدر المباركة ؛ وهي إحدى ليالي شهر رمضان ؛ حيث يؤكد الله تعالى على ذلك في قوله تعالى ” شَهْر رَمَضَان الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآن ” ، وهو الشهر العظيم الذي فُرض فيه الصيام ؛ وفيه أيضًا توجد ليلة القدر المباركة ؛ ولكن لم يتم تحديد يوم معين خلال الشهر .
ثم يقول الله تعالى في الآية الثانية ” وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ” ؛ وهذه الآية الكريمة تحمل تعظيمًا من شأن ليلة القدر المختصة بنزول القرآن الكريم .
ويزداد تعظيم المولى عز وجل لليلة القدر في الآية التالية ؛ حيث يقول تعالى ” لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ “؛ أي أن فضل تلك الليلة يعادل العمل خلال ألف شهر ؛ وهو ما يجعل العقول البشرية في حالة ذهول من ذلك الفضل العظيم لليلة واحدة ؛ والتي يكون العمل الصالح فيها يتعادل مع العمل الصالح خلال ألف شهر .
ويوضح الله سبحانه وتعالى ما يحدث في تلك الليلة العظيمة في قوله تعالى ” تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ” ؛ ويعني أنه في ليلة القدر ينزل الملائكة بكثرة من السماوات السبع ؛ ونزولها يكون شيئًا فشيئًا ؛ وتحمل الخير والرحمة والبركات إلى الأرض ؛ حيث أن امتناع الملائكة من دخول مكان معين يعني خلوه من البركة والخير ؛ لذلك فإن في نزولها في ليلة القدر خير عظيم ورحمة لعباد الله ، ويعني بالروح هنا هو جبريل عليه السلام الذي اختصه الله تعالى بشرف حمل الوحي بالقرآن الكريم ، ونزول الملائكة يكون بإذن من الله تعالى ، وقد ذُكر أن كلمة “من” في قوله “من كل أمر” تعني حرف الباء أي بكل أمر من أوامر الله تعالى التي يوجهها إلى ملائكته والتي لا يعلم عنها أحد شيئًا ؛ لأنها من الغيبيات.
ويقول الله تعالى في الآية الأخيرة بسورة القدر ” سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ” ؛ وتعني هنا أن هذه الليلة هي ليلة سلام ؛ وذلك لأن هناك الكثير ممن يسلمون من الذنوب في ليلة القدر ؛ حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فضل تلك الليلة “من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ” ؛ ومغفرة الذنوب تعني السلامة من عواقبها الوخيمة يوم الحساب ، وتنتهي ليلة القدر بمجرد أن يطلع فجر اليوم الجديد بعد تلك الليلة .
عرضت سورة القدر الفضل العظيم لليلة القدر ؛ والتي سُميت بالقدر نظرًا لقدرها ومكانتها العظيمة التي تحدث عنها المولى عز وجل ، وعُرفت على أنها إحدى ليالي شهر رمضان المبارك ؛ ولم يتم تحديد يوم بعينه أو ليلة معينة لتُعرف على أنها ليلة القدر ؛ غير أنه قد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أخبر أن تلك الليلة العظيمة موجودة بالعشر الأواخر من رمضان ؛ لذلك يُستحب الاعتكاف وكثرة العبادات في تلك الأيام .