لقد خاض نبي الله محمد صلّ الله عليه وسلم جيوش المسلمين في العديد من الغزوات لإعلاء كلمة الله ونشر تعاليم دينه الحنيف ، وتأديب المشركين به ، ومن تلك الغزوات غزوة الطائف وهي امتداد لغزوة حنين .

وذلك لأن معظم فلول هوازن وثقيف دخلوا الطائف مع قائدهم مالك بن عوف ، وتحصنوا بها فسار إليهم رسول الله صلّ الله عليه وسلم بعد فراغه من حنين ، كان ذلك في العاشر من شوال في السنة الثامنة من الهجرة .

فبعد أن شتت المسلمون هوازن وتعقبوها في نخلة وأوطاس ، اتجهوا إلى مدينة الطائف التي تحصن بها ثقيف ومعهم مالك بن عوف قائد هوازن ، حيث كانت تمتاز الطائف بموقعها الجبلي وبأسوارها القوية وحصونها الدفاعية المنيعة .

ولم يكن بها منافذ سوى الأبواب التي أغلقتها ثقيف ، بعد أن زودها أهل بالطعام والشراب والمؤن التي تكفيهم لمدة سنة كاملة استعدادًا لحرب طويلة ، الأمر الذي جعلها دار حماية مناسبة لهم من سهام المسلمين .

حيث حاصر المسلمون الطائف مدة تتراوح بين عشر ليالي أو نصف شهر ، وتختلف الروايات حول طول المدة أو قصرها ، وخلال هذا الحصار رماهم أهل الحصن رميًا شديدًا بالسهام والنبال ، حتى قتل منهم إثنا عشر رجلًا ، فأقترح الخباب بن المنذر أن يبتعد المسلمون عن الحصن حتى لا تصيبهم سهام العدو .

وبالفعل عسكر الرسول صلّ الله عليه وسلم في مكان بعيد بعض الشيء ، ولكنه كان لا يزال يحاصر الطائف ، وقيل أن النبي صلّ الله عليه وسلم حاول اقتحام الحصن بالدبابات والمنجنيق ، والدبابات وهي آلات تصنع من الخشب وتغطى بجلود الحيوانات ، يدخل فيها الرجال لتحميهم من سهام الأعداء .

أما المنجنيق فيتكون من عمود طويل قوي ، موضوع على عربة ذات عجلتين في رأسها حلقة أو بكرة يمر بها حبل متين ، في طرفه الأعلى شبكة في هيئة كيس ، توضع بهذه الشبكة بعض الحجارة أو المواد المحترقة .

ثم تحرك بواسطة العمود والحبل ، فيندفع ما وضع في الشبكة من القذائف ويسقط علىٰ الأسوار فيقتل أو يحرق ما يسقط عليه ، ولما لم يستطيع المسلمون اقتحام الحصن ، أمر النبي صلّ الله عليه وسلم برميهم بالسهام .

وشجع المسلمين على ذلك ، فعَنْ أبي نجيح السلمي رضي الله عنه قَالَ: ( حَاصَرْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلّ الله عليه وسلم بحِصْنِ الطَّائِفِ ، فسَمِعْتُ رَسُولَ الله صلّ الله عليه وسلم يَقُولُ: “مَنْ بَلَغَ بِسَهْمٍ في سَبِيلِ الله عز وجل فَلَهُ دَرَجَةٌ) .

وبعد عدة ليالي أمر رسول الله صلّ الله عليه وسلم بفك الحصار ، فقال الصحابة نرجع ولم نفتح الطائف ! فقال لهم رسول الله : (اغدوا علي القتال) ، فغدوا عليه فأصابهم جروحٌ كثيرةٌ فقال رسول الله صلّ عليه وسلم : إنا قافلون غدًا  ، فأعجبهم ذلك فضحك رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، وأثناء الحصار نزل عدد من رقيق الطائف فأعتقهم رسول الله .

وفي أواخر شهر شوَّال وبعد استشارة رسول الله عليه الصلاة والسلام لنوفل بن معاوية الديلي ، أمر عمر بن الخطاب فأذن في الناس ، إنا قافلون غدًا إن شاء الله ، فانتهى الحصار وعاد المسلمون إلى المدينة المنورة .

ورحل الجيش ورجاله يقولون : (آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون) ، ثم رجع رسول الله صلّ الله عليه وسلم إلى الجُعرانة ، فقدم إليه وفود هوازن وقد أسلموا  ، فرحب بهم وردَّ عليهم أسراهم .

By Lars