لقد قاد الرسول صلّ الله وسلم العديد من الغزوات ضد اليهود عقابًا لهم على نقضهم العهود والمواثيق ، وخيانتهم له في حروبه مع الكفار والمشركين ، ومن بين تلك الغزوات كانت غزوة بني قريظة .

وقد دارت هذه المعركة في السنة الخامسة من الهجرة ضد يهود بني قريظة ، وقاد الغزوة ضدهم رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، بعد معركة الخندق حينما حاول اليهود الغدر بالمسلمين ، من خلال فتح ثغرة تمر منها الأحزاب إلى المدينة ،  للقضاء على جيش المسلمين وإبادته عن بكرة أبيه .

فهكذا كان اليهود دائمًا في كل عصر وزمان يخونون العهود والمواثيق ، فبعد عودة الرسول صلّ الله عليه وسلم من غزوة الخندق إلى المدينة وقيام المسلمون بوضع السلاح ، أتى الملك جبريل إلى نبي الله صلّ الله عليه وسلم وقال له : أو قد وضعت السلاح يا رسول الله ؟

فقال رسول الله صلّ الله عليه وسلم : نعم ، فقال جبريل ما وضعت الملائكة السلاح بعد وما رجعت الآن ، إن الله يأمرك يا محمد بالمسير إلى بني قريظة ، فإني عامد إليهم فمزلزلهم ، فأمر رسول الله  صلّ الله عليه وسلم أن يؤذن في الناس مؤذنًا ، ويقول : من كان سامعًا مطيعًا فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة .

فلبى المسلمين النداؤ وخرج النبي صلّ الله عليه وسلم بهم للقاء بني قريظة ، وكان علي بن أبي طالب على رأس الجيش المتجه إلى حصنهم ، فحاصرهم خمسة وعشرين يومًا كاملة ، حتى انتهت الغزوة باستسلام بني قريظة ، ولكنهم اشترطوا لخروجهم التحكيم ، وطلبوا من رسول الله صلّ الله عليه وسلم أن يكون الحكم عليهم هو سعد بن معاذ ، لأنه كان حليفهم في الجاهلية .

فأرسل الرسول صلّ الله عليه وسلم في طلب سعد بن معاذ ، حيث أنه كان في المدينة حينها ولم يخرج معهم ، بسبب الجرح الذي أصابه في غزوة الأحزاب ، فلما علم سعد بنداء رسول الله لباه وركب حماره مسرعًا إلى النبي ، وبينما هو كذلك التف حوله الأوس محاولين أن يقنعوه بتخفيف حكمه علي يهود بني قريظة ، ولكنه كان ساكتٌ لا يرد عليهم .

فلما أكثروا عليه في الحديث والإلحاح قال لهم‏ :‏ لقد آن لسعد ألا تأخذه في الله لومه لائم ، فلما سمعوا ذلك منه رجع بعضهم إلى المدينة ينعون بني قريظة ، ولما وصل سعد بن معاذ إلى النبي صلّ الله عليه وسلم قال النبي للصحابة ‏:‏ قوموا إلى سيدكم‏ ، فلما أنزلوه قالوا‏‏ : يا سعد إن هؤلاء قد نزلوا على حكمك‏ .

فقال أو حكمي نافذ عليهم‏ ؟ قالوا : نعم‏ ، ‏قال : وعلى المسلمين‏ ؟ قالوا‏ : نعم ، قال : وعلى من ها هنا‏ ؟ ،‏ ولفت وجهه وأشار إلى ناحية رسول الله إجلالاً له وتعظيمًا‏ : فأجاب الرسول قائلاً : نعم وعلي‏ ‏،‏ فقال سعد بن معاذ حكمه الذي زكاه الله من فوق سبع سماوات ، قال : (إني أحكم فيهم أن يُقتل الرجال وتسبي الذرية وتُقسم الأموال) .

فقال رسول الله صلّ الله عليه وسلم‏ :‏ ‏(‏لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سموات‏) ، لقد كان حكم سعد غاية في العدل والإنصاف ، لأن بني قريظة كان يستحقون أكثر من هذا ، فبالإضافة إلى ما ارتكبوه من غدر وخيانة في حق المسلمين ، كانوا قد جمعوا لإبادتهم ألفاً وخمسمائة سيف ، وألفين من الرماح وثلاثمائة درع ، والكثير من الأسلحة التي كانت موجودة بحصونهم ، وحصل عليها المسلمون بعد فتح ديارهم ‏.

وعقب صدور حكم سعد بن معاذ أمر رسول الله صلّ عليه وسلم بحبس بنو قريظة في دار بنت الحارث ، ثم  أمر بحفر الخنادق لهم في سوق المدينة ، وجعل يرسلهم إلى تلك الخنادق لتُضرب أعناقهم هناك ،‏ وتراوحت أعدادهم حينها ما بين الستمائة إلى السبعمائة .

وهكذا تم استئصال خونة اليهود الذين نقضوا الميثاق المعقود والعهد المشهود ، وعاونوا الأحزاب على إبادة المسلمين في أحرج ساعة ،  كانوا يمرون بها في حياتهم ويحتاجون فيها إلى عونهم ، ولكن هيهات فهم لا ملة لهم ولا دين حرفوا كتابهم  ، وجاءوا كثيرًا على نبيهم فلم يكن لهم كلمة ولا عهد ، لذا استحقوا الموت بجدارة .

By Lars