لقد ذكر الله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل أقوامٌ عدة ، منهم من شاع ذكره كقوم عاد وثمود ومنهم من ذكر ولكن لم نسمع عنه كثيرًا كقوم تبع ، ويقول فيهم الله عزوجل في كتابه العزيز ، بسم الله الرحمن الرحيم (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ . وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ . وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ) (سورة ق الآية رقم 14) .
ويقول الله عز وجل عنهم في سورة الدخان : (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) (سورة الدخان ، الآية 37) فمن هم قوم تُبَّعٍ ؟ ، قوم تُبَّعٍ هم قوم سكنوا باليمن قديمًا قبل بعثة النبي محمد صلّ الله عليه وسلم ، و تُبَّعٍ هو ملك هؤلاء القوم الذي كان يحكمهم .
وكان ملكًا على بلاد اليمن حيث حمير وسبأ وحضرموت ، وكان مشركًا بالله ثم أنعم الله على قلبه بالإيمان حيث كان يعبد الله على شريعة موسى عليه السلام ، وحينما نزل الوحي على نبينا صلّ الله عليه وسلم ، أخبره أن تُبَّعٍ رجلًا صالحًا فقال النبي صلّ الله عليه وسلم لقومه : (لاتَسُبُّوا تُبَّعًا ، فَإِنَّهُ كان قد أَسْلَمَ) رواه أحمد .
فقد كانت حمير وسبأ كلما حكمهم رجل ٌسموه تُبعًا ، كما يقال قيصر لمن يحكم الروم ويقال فرعون لمن يحكم مصر ، ولقد سار سلطان هذا الملك في البلاد حتى وصل سمرقند ، واشتد ملكه وعظم سلطانه واتسعت مملكته وبلاده وكثرت رعاياه ، ويحكى أن تبع قد مر بالمدينة أيام الجاهلية فأراد قتال أهلها .
فقاتلوه وكان معه حبرين من أحبار اليهود ، نصحاه حينها أنه لا سبيل له على هذه البلدة ، لأنها مهجر نبي يكون في أخر الزمان اسمه أحمد ، فتوقف الملك على الفور عن قتال أهلها وقال شعراً ، واستودعه عند أهل المدينة وظلوا يتوارثونه جيل بعد جيل :
شَهِدْتُ عَلَى أَحْمَدَ أنَّه رَسُولٌ مِنَ اللهِ بَاري النَّسَم
فَلَو مُدَّ عُمْري إلى عُمْرِهِ لَكُنْت وَزيرا له وابن عَم
وَجَاهَدْتُ بالسَّيفِ أعْدَاءَهُ وَفرَّجتُ عَنْ صَدْرِه كُلَّ غَم
ثم ترك المدينة ولما جاء بباب مكة أراد هدم الكعبة ، فنهياه الأحبار اليهود عن ذلك وأخبراه بعظمة هذا البيت ، وأن من بناه هو النبي إبراهيم الخليل ، وأعلموه أن هذا البناء سيكون له شأن عظيم على يدي النبي المبعوث في أخر الزمان .
فعظم وكسي الكعبة ثم عاد إلي اليمن ، ودعا أهلها إلى التهود معه على دين موسى عليه السلام فتهود معه عامة أهل اليمن ، وهناك بعض الروايات التي ذكرت اسم هذا الملك ، وهو أسعد أبو كريب بن ملك يكرب اليماني ، ويذكر أنه مُلك على قومه لمدة 326 سنة ، وتوفي قبل بعثة الرسول بنحو 700 عام .
فيقول قتادة : (ذكر لنا أن كعبًا كان يقول في ” تُبَّع ” : نُعِت نَعْت الرجل الصالح ، ذم الله تعالى قومه ولم يذمه ، فقال : (وكانت عائشة تقول : لا تسبوا ” تُبَّعًا ” ؛ فإنه قد كان رجلًا صالحًا) ولقد أهلك الله عز وجل قومه ولم يذكر بالتفصيل طريقة هلاكهم ، ولم يهلك ملكهم لأنه كان مؤمنًا صالحًا ودعاهم الي عبادة الله الواحد الأحد .