جاء رسول الله صلّ الله عليه وسلم رحمة للعالمين ؛ حيث أنزل الله تعالى عليه الوحي من أجل تبليغ رسالة الله لعباده ؛ حتى ينالوا حُسن العاقبة ، وكان عهده صلّ الله عليه وسلم مليء بالمعجزات التي مكنّه منها الله سبحانه وتعالى ؛ والتي كانت على مرأى من الصحابة والمؤمنين في عهده .
كان العرب في عهد الرسول صلّ الله عليه وسلم يستخدمون الجِمال كثيرًا من أجل قضاء أمور حياتهم ؛ حيث كانت وسيلة للسفر والتجارة ونقل البضائع ؛ وغير ذلك من الأمور الحياتية الضرورية ، ومن المعروف أن الجمل يتميز بقوة تحمله وصبره ووداعته ؛ لذلك كان وسيلة تنقل مناسبة جدًا بالنسبة للعرب آنذاك .
كان الأنصار من أهل البيت في المدينة المنورة يمتلكون جملًا قويًا ؛ يقوم بحرث الأرض الزراعية ؛ كما كان يروي الزرع ، وفي أحد الأيام أصبح الجمل هائجًا وثائرًا ؛ ولم يستطيع أصحابه التعامل معه بأي طريقة ؛ وتوقفت أعمالهم بسبب حالة الغضب التي أصابت الجمل .
ذهب أصحاب الجمل على وجه السرعة إلى رسول الله صلّ الله عليه وسلم ؛ فشكوا إليه سوء أحوالهم بعد غضب جملهم قائلين : لقد استصعب علينا الجمل الذي نسقي به ، وأوشك الزرع على أن يهلك ويتلف ؛ فابحث لنا يا رسول الله عن حل ، فقال لهم الرسول الكريم : قوموا معي .
ذهب رسول الله صلّ الله عليه وسلم مع أصحاب الجمل إلى حديقتهم التي كان موجود فيها الجمل الغاضب الثائر ، حينها قال الناس إلى الرسول : إننا نخشى عليك من هذا الجمل الثائر يا رسول الله ؛ فقد صار مثل الكلب العقور المفترس ، فقام رسول الله صلّ الله عليه وسلم بطمأنتهم قائلًا : لي عليّ منه بأس ، ويعني بذلك أنه لن يؤذيه أو يمسه بأي سوء .
قام رسول الله صلّ الله عليه وسلم بالدخول إلى الحديقة ، وهناك وجد الجمل موجودًا بإحدى الزوايا ، وحينما نظر الجمل إلى رسول الله تحولت هيئته من الغضب الغاشم إلى السكينة والوداعة ؛ وتبدلّت ثورته إلى هدوء تام ، وأقبل باتجاه رسول الله صلّ الله عليه وسلم مسرعًا .
وحدثت المعجزة الكبرى حينما خرّ الجمل ساجدًا بين يدي رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، كان الحاضرون يتابعون ذلك المشهد بتعجب ودهشة ، قام رسول الله بعد ذلك بالأخذ بناصية الجمل في رفق ولين من أجل أن يدخل لمتابعة عمله ؛ فدخل الجمل بكل هدوء وسكينة ليسقي الزرع ويواصل أعماله التي تركها .
بعد أن حدثت تلك المعجزة ؛ قال الناس الذين شاهدوها بعينهم إلى رسول الله : يا رسول الله ؛ هذا حيوان لا يعقل أن يسجد لك ؛ ونحن نعقل فأولى بنا أن نسجد لك ، حينها قام الرسول الكريم بإعطائهم درسًا تعليميًا ؛ حيث قال لهم صلّ الله عليه وسلم : لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر ؛ لأمرتُ المرأة أن تسجد لزوجها من عِظم حقه عليها .
تجلّت هذه المعجزة بدروس مستفادة لكافة البشر ؛ وأولها الرفق بالكائنات الحية كالحيوانات والطيور ، ويظهر ذلك واضحًا في الطريقة التي تعامل بها رسول الله صلّ الله عليه وسلم مع الجمل ؛ حيث اصطحبه بكل رفق دون أن ينهره أو يضربه ، وقد ورد في كتب السيرة النبوية أن هناك امرأة قد دخلت النار بسبب قطة ؛ حيث قامت بحبسها دون أن تطعمها ؛ حتى ماتت القطة ، وعلى العكس دخل رجل الجنة بسبب أنه ساعد كلبًا على أن يشرب .
قدمّ رسول الله صلّ الله عليه وسلم درسًا مهمًا للغاية ؛ وهو السجود الذي لا يجوز من أي مخلوق لأي مخلوق أخر على وجه الأرض ؛ إنما السجود فقط يكون لله سبحانه وتعالى خالق الكون ومُدبر أموره ، وكذلك أوضح رسول الله حق الزوج العظيم على زوجته ؛ حيث أنه لابد وأن يكون بينهما احترام متبادل .