فاض التاريخ الإسلامي بقصص الصحابة الذين أناروا الدروب ؛ بقوة إيمانهم وحفظهم للعهد مع رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، وامتلأت الكتب الدينية بتاريخ هؤلاء الصحابة العظماء رضي الله عنهم جميعًا ، لم يقتصر الأمر على الصحابة من الرجال ؛ بل كان للنساء دورًا لا يقل أهمية مُطلقًا عن دور الرجال ، وتواجدت الكثير من الصحابيات المجاهدات العظيمات .
الصحابية أم حرام بنت ملحان الأنصاري هي زوجة الصحابي الجليل عبادة بن الصامت ، وخالة أنس بن مالك ، وأختها هي أم سليم ؛ وأخويها هما حرام وسليم اللذين شاركا في غزوة بدر وأحد ؛ ونالا شرف الشهادة يوم بئر معونة ، وقد اشتهر أخاها حرام بمقولته “فزتُ ورب الكعبة” عندما تم طعنه بالرمح من الخلف ، وهي أيضًا والدة الشهيد قيس عمرو بن قيس ، وكانت زوجة للشهيد عمرو بن قيس ؛ الذي اُستشهد مع ابنه يوم غزوة أحد ؛ وتزوجت بعدها من الصحابي عبادة بن الصامت .
دخلت أم حرام الإسلام بعد أن قام الرسول صلّ الله عليه وسلم بدعوة القبائل التي قدمت من أنحاء الجزيرة العربية إلى الدخول في الإسلام ، حينما سمعت بعض من آيات القرآن الكريم ؛ شعرت بانشراح صدرها ودخلت الإسلام عن اقتناع وحب ؛ كما شاركتها أختها ام سليم في حب الإسلام ؛ وأصبحتا من أوائل النساء اللاتي دخلن الإسلام في المدينة .
عاشت أم حرام في كنف عبادة بن الصامت ؛ فاكتسبت منه الكثير من خِصال الخير والفضائل التي كان يتمتع بها ؛ حيث كان واحدًا ممن يكتبون الوحي ؛ كما كان يُعلم القرآن الكريم ، ولذلك تمكنت أم حرام من نشر دين الله ونصرة الإسلام ، واشتهرت بالورع والتقوى .
أنجبت الصحابية الجليلة من عبادة بن الصامت ابنًا سُمي محمد بن عبادة بن الصامت ، كان الصحابي عبادة يعاملها معاملة حسنة ؛ كما كان يُحسن إلى ابنها عبدالله بن عمرو بن قيس .
كانت أم حرام تعيش في منطقة قباء المباركة التي تقع على بُعد ميلين من المدينة المنورة ؛ حيث رُوي عن مسلم عن بن عمر رضي الله عنهما أن الرسول صلّ الله عليه وسلم كان يأتي مسجد قباء راكبًا أو ماشيًا ؛ فيصلي فيه ركعتين ، فكان الرسول يذهب عندها لزيارتها وأحيانًا كان يصلي في بيتها ؛ وذلك لأنها كانت لها مكانة عظيمة عند رسول الله صلّ الله عليه وسلم.
قامت الصحابية أم حرام برواية بعض أحاديث الرسول صلّ الله عليه وسلم ؛ حيث قد روت عنه خمسة أحاديث شريفة ، وقام عظماء الصحابة والتابعين بالروي عنها ، وذكرت بعض الروايات أنها قد روت سبعة أحاديث شريفة .
روى أنس بن مالك قائلًا : “دخل علينا رسول الله صلّ الله عليه وسلم – ما هو إلا أنا وأمي وخالتي أم حرام ، فقال (قوموا فلأصلِ بكم) ؛ فصلى بنا في غير وقت الصلاة .
قال أنس بن مالك أيضًا : حدثتني أم حرام بنت ملحان أن رسول الله صلّ الله عليه وسلم كان في بيتها يومًا ؛ فاستيقظ وهو يضحك ؛ فقالت له “يا رسول الله ؛ ما أضحكك ؟” فقال الرسول “عُرض عليّ ناس من أمتي يركبون ظهر هذا البحر كالملوك على الأسِرة” ، فقالت “يا رسول الله ؛ ادع الله أن يجعلني منهم” ، فقال الرسول الكريم “أنتِ من الأولين”.
تحققّ للصحابية الجليلة أم حرام ما طلبته من رسول الله صلّ الله عليه وسلم بالدعاء من أجلها ؛ حيث غزت البحر مع زوجها عبادة بن الصامت ؛ وفي العودة قُربّت من أجلها بغلة كي تركبها ؛ فدّقت عنقها وماتت شهيدة في زمن خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه ، ولُقبت الصحابية الجليلة رضي الله عنها بشهيدة البحر أو راكبة البحر .