لمن لا يعرف عاتكة بنت زيد العدوية هي امرأة عربية تميزت بأدبها وحسن خلقها وجمالها ، وهذا جعل الكثير من الشباب يتقدم لزواجها ، ولأن الله عزوجل ميزها بأن كل من يتزوجها ينال الشهادة ، فقد جعل كل مشتاق للشهادة يتهافت عليها ويتقدم للزواج منها ، وقد كانت في غاية الإخلاص لدينها ولربها ولكل من تزوجها ، إنها الصحابية عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل ، وهي أخت سيدنا سعيد بن زيد زوج السيدة فاطمة بنت الخطاب رضي الله عنهم أجمعين .
ومن العجيب أن والدها توفي قبل بعثة الرسول صلّ الله عليه وسلم ، ولكنه دخل الجنة فقد كان من الموحدين على ملة سيدنا إبراهيم عليه السلام ، وقد رآه الرسول صلّ الله عليه وسلم في ليلة الإسراء والمعراج بالجنة ، وكانت ابنته السيدة عاتكة من أوائل من أسلموا هي وأخوها سعيد بن زيد ، وقد كانت رحمة الله عليها شاعرة فصيحة تتسم بشدة الجمال .
ولقد اشتهرت بين المسلمين بأنها زوجة الشهداء ، حتى قال عنها عبدالله بن عمر : (من أراد الشهادة فليتزوج بعاتكة) ، ولقد بدأت قصة زواجها وهي في مرحلة الشباب فتهافت عليها الشباب يطلبون زواجها ، ومن بينهم كان ابن سيدنا أبي بكر الصديق وهو عبدالله رضي الله عنه ، فتقدم لها ووافقت على الزواج منه وبدأت حياتهم وهم في غاية السعادة ، فقد كان عبدالله بن أبي بكر مشغولًا بها كثيرًا عن أداء باقي أعماله من التجارة وأمور الحرب وغيرها .
وقد مر عليه سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه في أحد الأيام يريد أن يصحبه إلى الصلاة ، ولكنه سمعه يحدث زوجته بكلام جميل معسول فتركه وذهب ليصلي ، وعندما عاد سيدنا أبي بكر وجده على نفس الحال ، فناداه وقال يا عبدالله أصليت جماعة ؟
فقال عبدالله أو صلى الناس ؟ فقال سيدنا أبي بكر نعم ؟ لقد شغلتك عاتكة عن الصلاة والتجارة والمعاش يا عبدالله فطلقها ، ولأن عبدالله لم يستطيع أن يخالف والده طلقها ، لأنه أدرك مدى تقصيره في حق الله وفي تأدية واجباته ، ولكنه ظل متعلقًا بها وهي أيضًا ندمت لأنها كانت سبب في انشغال زوجها عن طاعة الله عزوجل .
وفي إحدى الليالي سمع سيدنا أبي بكر ابنه عبدالله يقول أبياتًا من الشعر تعبر عن ندمه لطلاق عاتكة ، فآمرة سيدنا أبي بكر أن يردها ، فطار عبدالله فرحًا وعاد إليها يراجعها ويترجاها ، وبالفعل راجعها ووهبها حديقة بشرط أن لا تتزوج بعده أحد ، واستمرت الحياة بينهم في غاية السعادة ، ولكن لم تدم طويلًا فقد استشهد عبدالله في إحدى المعارك وقالت فيه عاتكة شعرًا :
فلله عينـا من رأى مثـله فتـى** أكر وأحمى في الهياج واصبرا
إذا شـرعت فيـه الأسنة خاضها *إلى الموت حتى يترك الرمح احمرا
واستمرت عاتكة في عبادة ربها تبتعد عن الناس وتتذكر أيامها السعيدة مع زوجها السابق عبد الله ، ولكن بعد فترة تقدم إليها سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنة وأرضاه ، ولكنها أخبرته بشرط زوجها السابق عبد الله واستفتت علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فأخبرها أن ترد الحديقة التي أهداها لها عبد الله بن أبي بكر مقابل عدم زواجها بعده إلى أهله ، وبعد ذلك تزوجت سيدنا عمر بن الخطاب ، وقد رزقها الله عز وجل منه عياض وقد كانت عابدة مخلصة لدينها ولزوجها .
وتمر الأيام ويطعن سيدنا عمر بن الخطاب على يدي أبو لؤلؤة المجوسي وهو يصلي بالناس صلاة الفجر فتنتقل روحه إلى بارئها ، وتحزن عليه عاتكة حزنًا شديدًا وتبكي على فراقه وهي تقول الشعر :
فجعني فيروز لا در درة ** بأبيض تال للكتاب منيب
رؤوف على الأدنى غليظ على العدا ** أخي ثقة في النائبات مجيب
متى ما يقل لا يكذب القول فعله ** سريع إلى الخيرات غير قطوب
عين جودي بعبرة ونحيب *** لا تملي على الإمام النجيب
وبعد وفاة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ظلت فترة طويلة لا تخرج من بيتها إلا للصلاة بالمسجد ، وعندما انقضت أيام العدة تقدم لها الزبير بن العوام ولم تكن تريد الزواج ، ولكن ألح عليها الزبير بن العوام وبالفعل تم الزواج وقد كان غيورًا جدًا عليها ، حتى أنه كان يغار عليها إذا ذهبت إلى الصلاة بالمسجد .
ومرت الأيام بينهم هانئة إلى أن قتل زوجها الزبير بن العوام أيضًا بعد أن اغتاله عمرو بن الجرموز ، فبكت عليه حزنًا وقالت فيه شعرًا :
غدر ابن جرموز بفارس بهمـة **يوم اللقا و كان غير معـرد
شلـت يمينك إن قتلت لمسلما **حلت عليك عقوبة المستشـهد
وبعد انقضاء عدتها جاءها سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه يريد زواجها ، فقالت له إني لا أضن بك يا ابن عم رسول الله عن القتل ، فعاد علي عن طلبه وبعد ذلك تزوجها سيدنا الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وقد كانت رفيقة كفاحه ورحلت معه إلى الكوفة وصبرت صبرًا جميلاً ، إلى أن قتل سيدنا الحسين بكربلاء وكانت أول من رفع خده من على التراب ولعنت قاتله وقالت فيه شعرًا :
وحسيناً. فلا نسيت حسينا * أقصــدته أسنة الأعــداء
غــادروه بكربلاء صريعاً جادت المزن في ذرى كربلاء
وقد كان سيدنا الحسين بن علي هو أخر زوجًا لها ، وبعدها بفترة توفيت الصحابية الجليلة سنة 40 للهجرة ، بعد أن تزوجت خيار الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ، ونالوا جميعًا بدخولهم حياتها الشهادة ، فرحم الله المرأة العابدة عاتكة العدوية .