ورد ذكر الموت والعودة إلى الله تعالى في القرآن الكريم بمواضع عديدة ؛ وذلك ليؤكد الله سبحانه وتعالى أن مصير هذه الدنيا إلى زوال ؛ ولن ينفع الإنسان سوى عمله ؛ لأنه سيُحاسب أمام المولى عزوجل .

تحدثت سورة التكاثر عن لهو البشر ؛ والذي ينتهي بهم الطريق إلى الموت وسكن المقابر ؛ حيث يقول الله تعالى في كتابه العزيز ، بسم الله الرحمن الرحيم { أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} .

توضح سورة التكاثر مدى الذنب الذي يقع فيه الإنسان من انشغاله بالأمور الدنيوية ونسيان الموت والحساب ؛ فيخاطب المولى عزوجل هؤلاء الذين لا يفكرون سوى في حياتهم الدنيا مستخدمًا لفظ اللهو ؛ وهو ما يوضح مدى ابتعادهم عن ذكر الآخرة ويوم الحساب والموت .

وأوضح المفسرون أن كلمة التكاثر تعني المفاخرة بالأشياء الكثيرة ؛ سواء كانت تلك الأشياء متعلقة بالأولاد أو الأموال أو السلطة ؛ أو أي أمور مادية متعلقة بالحياة الدنيا ، ورد سبب نزول تلك السورة عن قول مقاتل بن سليمان والكلبي أنه كان هناك نزاع بين حيين من قريش وهما بنو سهم وبنو عبد مناف ؛ حيث تعاند الأشراف من الطرفين فيمن هو الأكثر سيادة وعزًا .

وبدأ كل طرف يتفاخر بذاته وبعزه وجاهه ؛ حتى وصل بهم الأمر إلى عد موتاهم ليعرفوا مَن الأكثر ، ووردت بعض الأقاويل الأخرى التي تقول أن سورة التكاثر نزلت في قبيلتين من الأنصار ؛ اللذين قاما أيضًا بالتفاخر بما لديهم ؛ وكذلك انتهى الأمر بحساب عدد الموتى .

إن السورة تبث معاني قوية للتفكير في الدار الآخرة بدلًا من الانشغال بالدار الدنيا والتباهي بما هو زائل ؛ ومعنى كلمة ألهاكم التي وردت في أول السورة أي شغلكم ذلك عن طاعة الله سبحانه وتعالى ، والتكاثر هو التباهي والتفاخر بالكثير من متاع الحياة الدنيا ، وزرتم المقابر تؤكد أن الإنسان سيموت ويُدفن في تلك المقابر ، ثم يؤكد الله أن هؤلاء البشر سيعلمون يقينًا الحقيقة ؛ وهي الموت والحساب والعقاب ؛ حتى ينتهي بهم الأمر إلى رؤية الجحيم ؛ وهو يشير إلى العذاب في نار جهنم التي لا تماثلها أي نيران أو أي عذاب .

إذا تدبر الإنسان في المعاني القرآنية العظيمة التي وردت في آيات سورة التكاثر ؛ سيعلم حقيقة الدنيا وزوالها ؛ والتي قد يكون في غفلة عن معرفة تلك الحقيقة الواضحة في كل شيء في هذه الدنيا ؛ حيث أن الموت يحيط البشر من كل اتجاه ، والجميع يعلمون أن الموت قادم لا محالة في ذلك ؛ ولكنه قد ينسى أو يغفل أن الموت يأتي في أي وقت ولا ينتظر أحد .

تترك سورة التكاثر القلب في حالة انشغال وقلق بالآخرة ؛ لأنها صورت الدنيا على أنها مثل الومضة السريعة التي تعبر بالإنسان إلى حياة أخرى داخل المقابر ؛ وهي الحياة البرزخية ؛ والتي ينتقل من خلالها فيما بعد إلى يوم قيام الساعة والحساب .

يخاطب الله سبحانه وتعالى عباده الغافلين الجاحدين في سورة التكاثر ؛ ليؤكد لهم أنهم سيعودون إليه بعد موتهم ؛ وسيقوم بحسابهم على ما فعلوه بالحياة الدنيا من ذنوب جعلتهم يغفلون عن عقاب الله ؛ وأخبرهم تعالى أنهم سيسألون عن النعيم الذي امتلكوه في الدنيا ؛ حتى يعلمون أنه قد انتهى ولن يعود .

يجب على الإنسان التدبر في آيات الله ؛ كي يعلم أن الحياة الدنيا ما هي إلا طريق عابر إلى الآخرة ؛ لذلك وجب عليه العودة إلى الله تعالى ؛ وإعلان التوبة عن الذنوب ؛ وعدم الانخراط في الحياة الدنيا دون التفكير في الحياة الآخرة .

By Lars