يوجد بالقرآن الكريم العديد من الآيات التي تُنذر الكافرين بسوء مصيرهم ؛ وتخاطبهم لتؤكد لهم سوء أفعالهم وأنهم لا يُشبهون المؤمنين في أي شيء ؛ ولا يجوز لهم أن يكونوا في مكانة المؤمنين إلا أذا آمنوا بالله وحده ولا يشركون به شيئًا .

ومن السور التي خاطبت الكافرين ؛ سورة الكافرون وهي سورة مكية من قصار السور ، ويقول المولى عز وجل في سورة الكافرون ، بسم الله الرحمن الرحيم { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} الآية 1

جاءت سورة الكافرون لتؤكد لأولئك الذين كفروا بالله أنه لا يمكن أن يتبع المؤمنون طريقهم ؛ كما أنهم بكفرهم وضلالهم لا يمكن لهم أن يتبعون سبيل الهدى والإيمان .

ورد في سبب نزول سورة الكافرون عن رواية أمية بن خلف والوليد بن المغيرة وغيرهما ؛ أن جماعة من كبار كفار قريش وسادتهم ذهبوا إلى رسول الله صلّ الله عليه وسلم طالبين منهم أن يُقبل عليهم من أجل أن يعرضوا عليه أن يتبع دينهم وهو عبادة الأصنام وتمجيدها ؛ مقابل أن يتبعون دينه وهو عباده الله تعالى ؛ وذلك لمدة عام كامل ؛ فإذا وجدوا الذي جاء به رسول الله صلّ الله عليه وسلم خير فيتبعوه بعد ذلك ، وكذلك إذا وجد رسول الله صلّ الله عليه وسلم ما يعبدوه خيرًا فيعبد آلهتهم ويبتعد عن عبادة الله .

استعاذ رسول الله من الشرك بغير الله سبحانه وتعالى ، ونزلت هذه السورة في الوحي على رسول الله صلّ الله عليه وسلم لترد بحسم على أولئك الكفار ، فذهب رسول الله صلّ الله عليه وسلم إلى المسجد الحرام ؛ وقد اجتمع فيه الملأ من قريش ؛ فقرأ عليهم سورة الكافرون ؛ حتى انتهى من قراءتها ، وحينها علم الكافرون أنه لا مجال لإعادة نبي الله عن دعوته ، فأكثروا من أذيته وذويه حتى جاءت الهجرة .

وردت سورة الكافرون بكل توكيد وحزم ؛ كي تقطع كل السبل على الكافرين لمساومتهم الدنيئة ؛ لكي يؤكد الله سبحانه وتعالى على أن التوحيد بالله ليس كالشرك به ؛ لذلك لا مكان للجدال في هذا الأمر القاطع الحاسم ؛ لذلك ذكر الله تعالى أسلوب نفي بعد نفي ؛ وأسلوب توكيد بعد توكيد .

في بداية السورة فال تعالى { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وهو أسلوب أمر من الله تعالى مخاطبًا فيه الكفار بصفتهم التي يستحقونها وهي الكفر ؛ لأنهم ليسوا مؤمنين بالله بل هم يكفرون ويشعرون به ؛ لذلك فإن الكفر هو حقيقتهم ، ثم جاء في الآيتين التاليين {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ } ؛ وهو نفي ليؤكد به المولى عز وجل أن عبادتهم للأصنام بعيدة كل البعد عن عبادة الله سبحانه وتعالى والتوحيد بربوبيته وحده لا شريك له ؛ لذلك من المستحيل أن تكون عبادتهم كعادة المؤمنين .

ثم قال المولى عز وجل فيما بعد{ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ } ؛ وهو تكرار لما ورد بالآيات السابقة حتى يؤكد الله نفس المعنى ؛ وهو أنه من المستحيل أن يعبد نبي الله أصنامهم ؛ كما أنهم في ضلالهم لا يمكن لهم أن يعبدوا الله عزوجل .

وجاءت الآية الأخيرة لتُجمل القضية كلها وتؤكد عليها ؛ حيث يقول الله تعالى{ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } ؛ وفيها أكد الله سبحانه وتعالى أن التوحيد له طريق أما الشرك فهو طريق معاكس تمامًا ؛ حيث أن منهج التوحيد يؤمن بوجود إله واحد أحد لا شريك له ؛ بعكس منهج الشرك الذي يعبد فيه الكافرون آلهة من صنع أيديهم ؛ فيشركون بالله تعالى وهو ما لا يغفره الله سبحانه وتعالى .

By Lars