نزل القرآن الكريم رحمة لعباده ؛ فشمل الأمر بكل ما هو خير ومعروف ؛ ونهى عن كل شيء سيء وخبيث ، كما اهتم القرآن الكريم بحقوق الأيتام والمساكين ، وأكدّ على وجوب حسن معاملتهم بالمعروف .

إن سورة الماعون من قصار السور التي تحدثت عن حق الأيتام والمساكين ؛ كما تحدث فيها المولى عزوجل عن عقوبة الذين يُهملون في إقامة الصلاة ، ويقول الله سبحانه وتعالى في سورة الماعون : بسم الله الرحمن الرحيم أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ .[1]

ورد خلاف في أسباب نزول سورة الماعون ؛ حيث قالا الكلبي ومقاتل أنها قد نزلت في شخص يُدعى العاص بن وائل السهمي ، ولكن بن جريج قال أن سبب نزول سورة الماعون أن أبو سفيان بن حرب كان يقوم بالنحر كل أسبوع ؛ وإذا أتاه يتيم ليطلب منه شيئًا من الطعام ؛ فكان ينهره ويُبعده بعصا ؛ لذلك ورد بالسورة قوله تعالى { أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ } .

نزلت سورة الماعون كي تعالج قضايا مهمة ؛ لتؤكد أن الدين الإسلامي هو دين الرحمة والتقوى ؛ حيث أمر الله سبحانه وتعالى برحمة اليتيم والرفق بالمسكين ؛ كما حذر الله تعالى من الغفلة في إقامة الصلاة .

يقول المولى عز وجل في الآية الأولى {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} ؛ وهو يشير إلى الذين يكذبون بيوم البعث والحساب ؛ حيث أن هؤلاء لا يؤمنون بما أنزله الله تعالى على رسله ، ثم يقول تعالى {فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ } ؛ ويوضح الله أن هؤلاء الذين كذبوا بدين الله ؛ هم الذين ينهرون الأيتام بكل عنف وقسوة ؛ حيث قد اُنتزعت كل الرحمة من قلوبهم.

ثم ورد في الآية الثالثة قوله تعالى {وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} ؛ والذي لا يحض هو الذي لا يدعو غيره على إطعام المساكين ؛ لأنه كان من الأولى به أن يفعل ذلك بنفسه ؛ لكنه لا يفكر في أمر هؤلاء المساكين الذين يحتاجون إلى العطف والحنان .

أنذر الله تعالى فيما بعد هؤلاء المصلين الملتزمين في صلاتهم في قوله تعالى { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} ؛ وقد يبدو الأمر عجيبًا من إنذار المصلين بالويل ؛ ولكن الآية التالية توضح سبب ذلك الإنذار والوعيد ؛ حيث يقول الله تعالى { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ } ؛ أي هؤلاء المصلين الذين يُضيعون وقت الصلاة ولا يلتزمون بها في وقتها المحدد ؛ وذلك لعدم اهتمامهم بأوامر الله سبحانه وتعالى فيما يتعلق بفريضة الصلاة .

وجاء في الآية التالية قوله تعالى { الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ } ؛ ويقصد هنا أنهم يقومون بعمل الأشياء من أجل رئاء الناس ونفاقهم ؛ ولا يقومون بعمل ذلك من أجل الله تعالى ، وجاء بالآية الأخيرة قوله تعالى { وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ }، ويقصد الله سبحانه وتعالى في هذه الآية أن هذا النوع من البشر يمنع العطايا البسيطة لغيره ؛ مثل الدلو ؛ أو الإناء ؛ أو متشابه ذلك ، ليوضح مدى حرصهم على عدم العطاء ؛ حيث لا يمنحون غيرهم تلك الأشياء البسيطة التي جرت العادة بالسماح بإعطائها وتداولها بين الناس ؛ مما يجعلهم لا يمنحون أي شيء .

توضح سورة الماعون دروسًا إنسانية وشرعية عظيمة ، ولابد على كل مؤمن أن ينتبه إليها ؛ حتى لا يقع فريسة لأعمال عنيفة ومُحرمة يعاقب عليها يوم لا ينفع مال ولا بنون .

By Lars