سورة الكوثر واحدة من قصار السور التي وردت بالقرآن الكريم ، والتي تحمل الكثير من المعاني الجليلة ؛ حيث قال المولى عز { إِنَّا أَعْطَيْنَاك الْكَوْثَر فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَك هُوَ الْأَبْتَر }
يُذكر عن أنس بن مالك أن الرسول صلّ الله عليه وسلم أغفى لبعض الوقت ؛ ثم رفع رأسه وهو يبتسم ؛ فأخبرهم رسول الله عن سبب ضحكه قائلًا أنه قد أُنزلت عليه سورة في ذلك التوقيت ثم تلا عليهم سورة الكوثر ، وبعد أن انتهى أخبرهم أن الكوثر هو نهر في الجنة عليه الكثير من الخيرات ؛ كما أخبرهم أن أمته ستَرِد عليه يوم القيامة .
وردت الكثير من نصوص الأحاديث حول نهر الكوثر ؛ ورؤية رسول الله صلّ الله عليه وسلم له في رحلة الإسراء والمعراج ، ومن بين الأحاديث التي وردت عن أنس بن مالك أن الرسول صلّ الله عليه وسلم قال : {بَيْنَمَا أَنَا أَسِير فِي الْجَنَّة إِذْ عَرَضَ لِي نَهَر حَافَّتَاهُ قِبَاب اللُّؤْلُؤ الْمُجَوَّف . فَقَالَ الْمَلَك – الَّذِي مَعَهُ – أَتَدْرِي مَا هَذَا ؟ هَذَا الْكَوْثَر الَّذِي أَعْطَاك اللَّه وَضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَى أَرْضه فَأَخْرَجَ مِنْ طِينه الْمِسْك }
وورد أيضًا عن أنس بن مالك أن الرسول صلى الله حينما سأله الناس عن الكوثر قال :
” هُوَ نَهَر أَعْطَانِيهِ اللَّه تَعَالَى فِي الْجَنَّة تُرَابه مِسْك أَبْيَض مِنْ اللَّبَن وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَل تَرِدهُ طَيْر أَعْنَاقهَا مِثْل أَعْنَاق الْجُزُر ” قَالَ أَبُو بَكْر يَا رَسُول اللَّه إِنَّهَا لَنَاعِمَة قَالَ ” آكِلهَا أَنْعَم مِنْهَا “.
وقد تم تفسير كلمة الكوثر على أنها جاءت من الكثرة ؛ حيث أن نهر الكوثر يتصف بالكثير من الخيرات التي لا حصر لها ؛ والتي وردت بعض من أوصافها في أحاديث الرسول صلّ الله عليه وسلم المتعددة عن الكوثر .
ومن بين الأوصاف التي وصفها رسول الله صلّ الله عليه وسلم لنهر الكوثر ؛ هو أنه ذات حافتين من ذهب ؛ والماء بداخله يجري فوق لؤلؤ ؛ كما ذكر أن ماء الكوثر أشد بياضًا من لون اللبن ؛ وأحلى في طعمه من العسل .
بعد أن منح الله تعالى نبيه الكريم ذلك النهر الموجود بالجنة ؛ أمره بإقامة الصلاة والنحر أي الذبح ؛ في الآية الثانية من سورة الكوثر في قوله تعالى “فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ” وهو أمر صريح من المولى عزوجل بالصلاة له وحُسن عبادته ؛ لأنه سبحانه وتعالى أهل لذلك ؛ وكما أعطى رسوله الجنة ؛ فهو يريد منه الطاعة والعبادة ، أما عن النحر فهو يعني الذبح من أجل الطعام ؛ وهو يكون باسم الله وفي اتجاه القبلة ؛ حتى يكون ذبحًا شرعيًا .
وقد وردت بعض التفسيرات الأخرى لكلمة ” وَانْحَرْ ” حيث ذُكر من بعض المفسرين أنها تعني رفع اليدين في الوقت الذي تبدأ فيه الصلاة ، وقيل أيضًا أنها تعني أن يضع الشخص الذي يقوم بالنحر اليد اليمنى على اليد اليسرى أسفل النحر ، ولكن الأرجح هو أن النحر هو ذبح المناسك ؛ لذلك كان الرسول صلّ الله عليه وسلم يصلي العيد ثم يقوم بالنحر .
وورد بالآية الثالثة والأخيرة من سورة الكوثر توضيح من المولى عز وجل لرسوله محمد صلّ الله عليه وسلم ؛ بأن من يبغضه هو الأذل ؛ حيث يقول الله سبحانه وتعالى “إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَر” ، والمعنى هنا في الآية يتحدث عن أعداء رسول الله صلّ الله عليه وسلم ؛ حيث وصفهم الله بأنهم هم المذلولين المُبغضين المنقطعين من الذكر .
وذُكر أن كلمة الأبتر وردت في بعض المشركين الذين كانوا يقولون على رسول الله صلّ الله عليه وسلم حينما يموت ولده ؛ أنه قد بُتر أي انقطع ذكره من الدنيا ؛ وجاءت الآية الكريمة كأبلغ رد على هؤلاء الكفار الأذلاء ؛ لأن رسول الله صلّ الله عليه وسلم سيرته العطرة باقية إلى قيام الساعة بإذن الله تعالى .