تتجلى آيات القرآن الكريم بالإعجاز والحكمة ؛ حيث أنزل الله سبحانه وتعالى كل آية لحكمة وسبب ، وورد بالقرآن الكريم العديد من القصص التي تقدم الوعظ للإنسان حتى يعود إلى الله تعالى ، ومن القصص التي وردت بالقرآن الكريم مرة واحد فقط قصة هاروت وماروت ؛ وهما ملكين أنزلهما الله من أجل تعليم الناس أن يتقوا الشر ويسعوا إلى الخير .
ورد ذكر هاروت وماروت في سورة البقرة ؛ حيث قال الله عزّ وجل {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}
كانا هاروت وماروت يسكنان أرض بابل في العراق ؛ وكان الناس يذهبون إليهما ليتعلموا السحر ؛ غير أن هاروت وماروت كانا دائمين لتقديم النصح والوعظ للناس بأن السحر من أعمال الكفر التي نهى عنها الله تعالى ؛ وبذلك لا يكون للناس حجة بأنهم لا يعلمون أضرار ذلك السحر .
كان اليهود يسعون دائمًا إلى أمور السحر والشعوذة التي يقدمها الشياطين ؛ فجاء الملكان لإبلاغ الناس بمرتبة السحر والسحرة ؛ غير أن منهم مَن اتجه إلى تعلم السحر على يد الشياطين والملكيبن هاروت وماروت أيضًا ؛ مما جعلهم يتركون العلم الذي جاء به الأنبياء والمرسلون ويتبعون طريق الضلال .
سعى الضالون إلى تعلم السحر ليحقق كل منهم هدفه الذي يصبو إليه ؛ وورد نوع من أنواع تلك الأهداف بالآيات الكريمة حيث أنهم يتعلمون من خلاله أن يفرقوا بين المرء وزوجه ؛ وقد ذكر الله التفريق بين الزوجين ؛ نظرًا لقوة العلاقة بينهما ؛ حيث يربطهما رباط مقدس قائم على المودة الرحمة ؛ ولكن يأتي الأذى والضرر نتيجة تعلم النفوس المريضة لذلك السحر .
يستخدم الناس السحر الذي حذرهم منه الملكان هاروت وماروت ؛ من أجل إلحاق الضرر بغيرهم ؛ ولكن كل شيء يحدث بمشيئة الله تعالى وقدرته ؛ حيث لا يستطيع إي كائن أن يؤذي أحد إلا بمشيئة الله تعالى ؛ لذلك يبعث الله رسله لتعليم الناس طرق الهداية ويترك لهم الاختيار حتى لا يكون لهم حجة يوم لا ينفع مال ولا بنون .
وذُكر نبي الله سليمان عليه السلام في الآية الكريمة ؛ لأن اليهود في عهده تركوا الزبور ؛ وهو كتاب من عند الله تعالى واتجهوا إلى تعلم السحر الذي يضرهم ولا ينفعهم ، إن هاروت وماروت كانا يخبران الناس أنهما فتنة ؛ حتى يتعظ أصحاب العقول ؛ وليعلموا أن نزولهما ما هو إلا اختبار من الله عز وجل لعباده حتى يعودوا إلى طريق الهدي ويبتعدوا عن طريق الضلال ؛ غير أن منهم مَن سعى في الدخول إلى طريق السحر الذي يؤدي إلى الهلاك.
ذُكر أن سبب نزول قصة هاروت وماروت في القرآن الكريم هو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرد دائمًا على أسئلة اليهود المتعلقة بالتوراة ؛ وحينما سألوه عن السحر ؛ أنزل الله تعالى تلك الآية الكريمة لتحكي قصة الملكين هاروت وماروت اللذين كانا ينهيان الناس عن العمل بالسحر حتى لا يهلكوا .
وورد سبب آخر لنزول تلك الآية وهو أنه عندما ذكر الله تعالى في كتابه العزيز اسم نبي الله سليمان عليه السلام ؛ قال اليهود أن الرسول محمد يزعم أن سليمان الساحر نبي ؛ ونزلت الآية لتنفي فعل السحر عن نبي الله سليمان وتنسبه إلى الشياطين .