كان عبدالمطلب جد الرسول صل الله عليه وسلم ، نائمًا في حجر الكعبة ، فأتاه في الحلم أن يحفر بئر زمزم من جديد بعد أن ردمتها السنون ، فقام عبدالمطلب واصطحب ابنه الوحيد وقتها وكان يدعى الحارث ، وذهبوا للحفر بين الأوثان المتاخمة لبئر زمزم ، وسط غضب أهل قريش مما يفعل عبد المطلب وابنه .
فتجرؤوا عليه عندما رأوه قليل الولد ، فطلب من ابنه أن يزود عنه حتى ينهي مهمته ، ولكن ذلك لم يمنع أهل قريش من التجرؤ عليهما مرارًا وتكرارًا ، فدعا عبد المطلب الله أن يرزقه عشرة أبناء ونذر أن يذبح أحدهم في حجر الكعبة ، إذا ما استجيب دعاؤه.
عندما تدفق الماء عبر زمزم وفاض من جديد ، غرق أهل قريش في خيرها ، وتولى بعد ذلك عبد المطلب سقاية الحجاج من ماء زمزم ، ثم رُزق بالأبناء العشرة كما دعا الله عزوجل ، أخذ عبد المطلب ابنه عبدالله ، والذي لم يكن يعلم مصيره بعد أن نذره والده للذبح في حجر الكعبة ، وما أن هم عبد المطلب بتنفيذ نذره حتى منعه أهل قريش من كبرائها ، وذلك حتى لاتصبح عادة ويأتي كل منهم من بعده ليذبح ابنه في حجر الكعبة ، فلن يستطيعوا أن يوقفوا هذا الأمر فيما بعد.
طلب سادة قريش من عبد المطلب ، أن يذهب إلى عرافة في خيبر ، يخبرها بأمره هو وابنه ويطلب أن تساعده ، فإذا أمرته بذبحه فليذبحه ، وأما إذا أمرته بمخرج من هذا النذر فلسيتجب لها.
بالفعل توجه عبدالمطلب مع ابنه عبدالله إلى عرافة في خيبر ، وروى لها ماحدث فقالت له أن يأخذ ابنه ويعود إلى بلده ، وأن يقرّب ابنه وإلى جواره عشرة من الإبل وأن يضرب بينهم بالقدّاح فإذا خرجت على ابنه ، فليضربها مرة أخرى حتى تخرج على الإبل ، وكلما خرجت القداح على ابنه فليعاود الكرّة مرة أخرى ، حتى تخرج على الإبل وهكذا يكون الله قد رضى ونجا عبدالله.
عاد عبدالمطلب وظل يضرب القداح إلى جوار الكعبة ، وفي كل مرة كانت تقع القداح على ابنه ، ظل عبد المطلب يضربها حتى صاحت قريش إنه رضا ربك يا عبدالمطلب ، فصار عدد النوق مائة ناقة ، ونجا عبدالله من الذبح ولكنه توفى بعدها بشهرين.
في الطريق من الكعبة إلى بيت آمنة كان عبدالله بن عبد المطلب ، محط الأنظار جميعها وحديث قريش الذي لا ينتهي ، فهذا هو من فداه الله بمائة ناقة ، من في قريش يمكنه أن يفعل ذلك سوى عبدالمطلب والده ، ولنطلق عبدالله فقد مدفوعًا بحبه لآمنة دفعًا ، حيث خبأ تلك المشاعر طويلاً حتى اطمأن على مصيره فطلب يدها للزواج.
واستمرت الأفراح ثلاثة أيام متتالية ، إلى أن أذن مؤذن برحيل القافلة من أجل التجارة نحو الشام ، وفي طريق العودة ألمت به وعكة صحية جعلت القافلة تعود من دونه ، وظلت آمنة في انتظاره ولكنها كانت تلك هي المرة الأخيرة التي تراه فيها ، حين ودّعته قبل خروجه.
نجا عبدالله من الذبح ولكنه توفى بعدها بشهرين عقب خروجه مع قافلة التجارة ، فقالت آمنة راضية لقد أمهله الله حتى يودعني هذا الجنين ، كان جنينها مبعث سكينتها إلى أن بدد عبدالمطلب تلك السكينة ، وأخبرها أن تتهيأ للخروج من مكة مع قريش ، حيث تم الاتفاق على الاختباء في شعاب الجبال خوفًا من جيش أبرهة الحبشي الذي كان قد خرج من اليمن ، متجهًا نحو الكعبة لهدمها.
ولكن الله أرسل إلى جيش أبرهة وباء ، تحمله الطيور بين أقدامها وتلقيه عليهم ، وكانت تلك أول مرة تدرك في شبه الجزيرة وباءي الجدري والحصبة ، وحتى من لم يصبه هذا الوباء من الجيش ، لاحقه عقب رجوعه إلى اليمن.
هكذا حمى الله عزوجل بيته من أبرهة الحبشي وجيشه ، وانتهت المحنة وظلت آمنة في مكة حيث ستستطيع أن تلد ابنها فيها ، وُلد النبي الكريم صلّ الله عليه وسلم ، وعقب عودته من رحلة الرضاعة في كنف السيدة حليمة السعدية رضي الله عنها ، ظل في كنف أمه حتى ينتب نباتًا حسنًا ، وذلك حتى بلغ السادسة من عمره ، فأخبرته أمه أن يتجهز لزيارة قبر أبيه ، حيث كان هذا اللقاء هو اللقاء الأول بأبيه ، والأخير بأمه ؛ فقد توفيت آمنة في طريق عودتها من آمنة .
أخرج الإمام مسلم بسنده في الصحيح عن أبي هريرة قال : زار النبي – صلّ الله عليه وسلم – قبر أمه فبكى وأبكى من حوله ، فقال : ” استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي ، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي ، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت “