إنه صحابي جليل من أصحاب رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، رضوان الله عليهم أجمعين ، له أثر بارز فيما وصل إلينا من سنة رسول الله صلَ الله عليه وسلم.

اسمه وكنيته :
كان لهذا الصحابي اسمان ، اسم عرف به في الجاهلية ، واسم بعد أن أنعم الله عليه بالإسلام ، أما اسمه في الجاهلية فهو عبد شمس ، ولكن النبي الكريم صلّ الله عليه وسلم سماه باسم به روح الإسلام ، وهو عبدالرحمن بن صخر الدوسي ، ويكنى رضي الله عنه بأبي هريرة ، نسبة إلى هرّ كان يرعاه ، وكان الرسول يكنيه بأبي هر ، واشتهر بالاسم كأن لم يكن له غيره .

مولده وإسلامه :
قد ولد في بادية الحجاز ، لأسرة فقيرة معدمة ، وذلك في السنة التاسعة عشرة ، قبل الهجرة ، وهو ما يوافق سنة 599 ميلاديًا ، ويعود نسبه إلى قبيلة دوس بن عدنان بن عبدالله بن زهران ، من القبائل اليمانية في شبه الجزيرة ، وكان أجيرًا يعمل في مقابل طعام يومه ، أسلم على يد الصحابي الجليل الطفيل بن عمرو الدوسي ، وهو من أوائل الذين أسلموا على يد الطفيل في عام فتح خيبر 9هجرية .

دعوة الرسول صل الله عليه وسلم لأبو هريرة وأمه :
كان يدعو والدته إلى اعتناق الإسلام كثيرًا فكانت تأبى ، وكانت تقول في رسول الله كلامًا سيِّئًا ، فحزن جدا ، وذهب إلى الرسول الكريم وهو يبكي من شدة الحزن ، ويقول : يا رسول الله ، إنى كنت أدعو أمي إلى الإسلام ، فأسمعتني فيك ما أكره ، فادع الله أن يهديها فقال رسول الله : اللهم اهد أم أبي هريرة ، فخرج إليها ليبشرها ، فوجد الباب مغلقًا ، وقالت : مكانك يا أبا هريرة ثم فتحت ، وقالت : يا أبا هريرة ، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله .

فرجع إلى الرسول صلّ الله عليه وسلم وهو فرحان يبكي ، ويقول : يا رسول الله قد استجاب الله دعوتك ، فحمد الرسول ربه ، وأثنى عليه وقال خيرًا ، ثم قال : يا رسول الله ، ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين ، ويحببهم إلينا ، فقال رسول الله : اللهم حبّبْ عُبَيْدَك هذا وأمه إلى عبادك المؤمنين ، وحبب إليهم المؤمنين ، قال أبو هريرة : فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبني.

أثر النبي في تربية أبي هريرة :
كان للنبي صلَ الله عليه وسلم ، أثر بارز في تنشئة وتربية هذا الصحابي الجليل ، فمنذ أن أعلن إسلامه ، لم يفارق النبي أبدًا ، وكان من نتائج ذلك أنه وفي سنوات قليلة أخذ من العلم عن الرسول ، ما لم يحصلَه أحد من الصحابة ، وكان النبي ، يوجِّهه كثيرًا ؛ فعنه ، أن النبي ، قال له : يا أبا هريرة ، كن ورعًا تكن أعبد الناس.

وكان النبي صلَ الله عليه وسلم كثيرًا ما يوصيه بأحسن الوصايا ، وقد نقل رضي الله عنه ذلك إلينا فمنه قوله : أوصيك بخصالٍ لا تدعهن ما بقيت. قال : أوصني ما شئت يا رسول الله ، فقال له : عليك بالغسل يوم الجمعة ، والبكور إليها ، ولا تلغ ، ولا تله ، وأوصيك بصيام ثلاثة أيام من كل شهر ؛ فإنه صيام الدهر ، وأوصيك بركعتي الفجر لا تدعهما وإن صلَيت الليل كله ؛ فإن فيهما الرغائب قالها ثلاثًا .

علم أبي هريرة ومكانته بين الصحابة :
بلغ هذا الصحابي من العلم مبلغًا كبيرًا ، وكان مجموع من روى عنه من الصحابة والتابعين نحو 800 رجل ، فهو من أحفظهم لحديث رسول الله صلَ الله عليه وسلم ، وقد قال عن نفسه ما كان أحد أحفظ لحديث رسول الله مني إلا عبد الله بن عمرو بن العاص ، فإنه كان يعي بقلبه وأعي بقلبي وكان يكتب وأنا لا أكتب استأذن رسول الله في ذلك فأذن له .

ولم يكن رضي الله عنه حافظًا للحديث النبوي فحسب ، بل كان أيضا حافظا للقرآن الكريم ، وهو من القراء المشهورين ، الذي حفظوا القرآن الكريم ، وعلَّموه للتابعين ، وكان أبو هريرة طيب الأخلاق متواضعًا كريمًا .

وروى عنه أصحاب الكتب الستة ومالك بن أنس في موطأه ، وأحمد بن حنبل في مسنده ، وممن روى عنه من الصحابة ابن عباس ، وابن عمر ، وجابر بن عبدالله ، وأنس بن مالك ، وواثلة بن الأسقع ، وعائشة رضوان الله عليهم أجمعين .

مناقبه:
وكان رضي الله عنه له ذاكرة قوية في الحفظ ، أشاد بقوة حفظه الإمام الشافعي رحمه الله ، وكان يحب العلم ، فكان طلابه يقبلون عليه ، حتى يملئوا بيته ، كما كان هو رضي الله عنه مقدرًا للعلم .

وكان يقول : ولولا آيتان أنزلهما الله في كتابه ما حدثت شيئًا أبدًا ، إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب {أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}، البقرة 159 ، 160.

جهاده :
لقد شهد الصحابي الجليل بعد إسلامه كل الغزوات مع رسول الله صلَ الله عليه وسلم ، ثم شهد الغزوات كلها في عهد الخلفاء الراشدين ، فقد شهد حرب مؤته مع المسلمين وحرب الردة مع أبي بكر.

وفاته :
لقد توفي هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه ، في المدينة المنورة ، بعد أعوام عديدة قضاها في خدمة هذا الدين ، وتعليمه لمن بعده ، وكانت وفاته في السنة السابعة والخمسين من الهجرة النبوية الشريفة ، بالمدينة المنورة ، ودفن بالبقيع ، وكان عمره وقت وفاته ثمانية وسبعين عامًا.

By Lars