اشتهرت حياته بأنها شبيهة بحياة سيدنا إبراهيم عليه السلام ، كان رجلًا قويًا صلبًا في دينه وإيمانه ، لا يخاف في الحق لومة لائم ، فكان عنيدًا في الجهر بالحق ، فأخلص نفسه لله وأعرض عن الدنيا وزينتها ، عُرِفَ عنه الزهد في زخرف العيش ومتاعه ، نذر حياته لطاعة الله والدعوة إليه ، باع الفانية بالباقية ؛ فكان رجلًا بأمة …
بداية إسلام عبدالله بن ثوب :
ترجع أصوله إلى اليمن ، عاش أيامًا في الجاهلية ، وأدرك الإسلام في حياة رسول الله صلَّ الله عليه وسلم ، ولكنه لم يلتق به ودخل المدينة المنورة في عهد أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، اشتهر باسم أبو مسلم الخولاني .
روى عن معاذ بن جبل ، وعبادة بن الصامت ، وأبى عبيدة بن الجراح ، وأبي ذر الغفاري ، وعمر بن الخطاب ، وعوف بن مالك ، أما من روى عنه فهم أبو العالية الرياحي ، وعطاء بن أبي رباح ، وشرحبيل بن مسلم ، وعطاء الخرساني ، ومحمد بن زياد الألهاني ، ويونس بن ميسرة وغيرهم .
أثنى عليه الكثير من العلماء فقال عنه يحيى بن معين وابن سعد أنه كان ثقة ، ووصفه البخاري أنه قارئ أهل الشام ، قال مالك بن دينار عنه أنه حكيم هذه الأمة ، ومنهم من قاله أنه الزاهد العابد من كبار التابعين الثقة .
موقفه مع الأسود العنسي :
عندما انتقلت الأخبار إلى جزيرة العرب أن النبي صلَّ الله عليه وسلم بعد عودته من حجة الوداع قد اشتد عليه المرض ؛ انتهز أحد سكان اليمن هذه الفرصة بعد أن سوَّل له الشيطان أن يعود للكفر بعد الإيمان .
فبدأ رحلته بالافتراء على الله بالكذب وإدعاء النبوة ، فبدأ بدعوة قومه في اليمن لرسالته المزعومة ، وكان مُدَّعي النبوة رجلًا قوي البنية ، أسود النفس ، معروف عنه إتقان الكهانة ، وأنه حَذَقَ الشعوذة على الناس ومما كان يساعده على استمالة عقول الناس هو روعة بيانه ، وفصاحة لسانه ؛ فكان قادرًا على اللعب بعقولهم بأباطيله وعطاياه .
انتشرت دعوته في البلاد انتشار النار في الهشيم ، وقد ساعده على ذلك سيطرته على عقول أفراد قبيلته وجعلهم من أتباعه والتي كانت من أكثر القبائل بأسًا ، وقوة ، وعددًا .
ولما اطمئن أن الأمر قد استتب له في دعوته ؛ بدأ ينشط في متابعة معارضيه وممن آتاهم الله إيمانًا راسخًا بدينه القويم ، وعدم الخوف من الجهر بالحق ، والتصدي للباطل ؛ فبدأ يبطش بهم بكل قسوة ، وكان من طليعة هؤلاء المؤمنين هو التابعي الجليل رحمه الله .
أراد ذلك المُدَّعي قتل أحد معارضيه ؛ لِبَثْ الهلع والرعب والجزع بقلوب باقي المؤمنين من معارضيه سرًا أو جهرًا ، وفي يوم من الأيام أمر أن يُجمع الحطب في إحدى ساحات البلاد ، وأن تُشعل فيه النيران ، ودعا الناس ليشهدوا ذاك الحدث .
وفي الوقت المحدد سيق المؤمن الزاهد في هذه الدنيا الفانية إليه مقيدًا ، ولمَّا صار بين يديه نظر له بخيلاء وقال له : أتشهد أن محمدًا رسول الله ؟ فرد عليه قائلًا : نعم أشهد أنه عبدالله ورسوله وسيد المرسلين وخاتم النبيين .
ولمَّا سأله عن نبوته المزعومة ؛ أنكرها عليه وقال له : إن اذني بها صممًا ، فلا أسمع ما تقول ؛ وعندها استشاط غضبًا ، وأعاد عليه أسئلته مرة أخرى علَّه يرجع عما قال ، ولكنه كان أكثر إصرارًا في إعلان الحقائق أمام أتباع ذاك الكذَّاب .
وعندها أمر بإلقائه في النيران التي أعدَّها ، وقبل التنفيذ اقترب أكبر طواغيته منه ونصحه بألا يفعل ذلك بالمؤمن بدعوة محمد صلَّ الله عليه وسلم ؛ لأنه إن ألقاه ونجَّاه الله كما نجَّى إبراهيم عليه السلام فسوف يهدم كل ما وصل إليه في دعوته المزعومة ، وإن أحرقته النار تحول إلى شهيد وازداد إعجاب الناس بشجاعته .
قرر ذاك الطاغوت وقتها أن يطلق سراحه ، وأن ينفيه من البلاد ؛ فما كان من التابعي الجليل إلا أن اتجه إلى المدينة أملًا في رؤية الحبيب صلَّ الله عليه وسلم ، ولكن ما إن وصل إلى أطراف المدينة حتى سمع بالخبر المفجع بوفاة الرسول صلَّ الله عليه وسلم ، وقيام صاحبه الصديق رضي الله عنه بالخلافة من بعده .
حزن التابعي حزنًا شديدًا وقرر أن يتجه إلى مسجد النبي الكريم صلوات الله عليه ، وعندما وصل إلى الحرم النبوي الشريف سلَّم على النبي صلَّ الله عليه وسلم ثم اتجه للصلاة .
وما إن فرغ من صلاته حتى اتجه إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعرف منه أنه من اليمن فبدأ يسأله عن حال البلاد وحال الرجل المؤمن بعد أن نفيه من بلده ؛ فما كان رده إلا أن قال أنه بخير .
وتوالت أسئلة الفاروق رضي الله عنه حتى عرف أنه الرجل المؤمن شبيه نبي الله إبراهيم عليه السلام ، فأقبل عليه يقبل رأسه ، ويحمد الله أنه أكرمه برؤيته ، وبدأ يحكي له عن مصرع عدوه وعدو الله على يد من بقي من المؤمنين في بلدته .
فرح التابعي الجليل كثيرًا بهذا النبأ السار ؛ فأخذه عمر بن الخطاب بعد ذلك إلى أمير المؤمنين أبو بكر الصديق رضي الله عنها ، وطفق الشيخان يستعيدان معه ما حدث معه قبل نفيه من اليمن .
أقام في المدينة المنورة ما شاء الله له أن يقيم ثم قرر أن يتجه إلى الشام ، ويتخذها مقامًا له ؛ ليكون على ثغر من ثغور الإسلام هناك ، ويشارك جيوش المسلمين في الغزو على الروم .
عاش التابعي الجليل حتى آلت الخلافة إلى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه فكانت له معه الكثير من المواقف المشهودة ، ويقال أنه توفاه الله بأرض الروم ، رحمه الله رحمة واسعة من عنده .