بدأت دعوة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام في مكة سرية وقد ألتحق به الكثير من سادات وموالي ، لما جهر الرسول سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ، بالدعوة إلى الإسلام وعلم سادات قريش بخبر دعوة الإسلام استشاط غضبهم .
وحاربوا الإسلام ليمنعوه من الانتشار وكان من ذلك أن قاموا بتعذيب من دخل في الإسلام من عبيدهم وإمائهم ، ومن أكثر من تم تعذيبهم آل عمار بن ياسر ، ولأن الإسلام كان في المراحل الأولى بداخل مكة ضعيفًا ، فلم يملك الرسول من معه أن يدفع الأذى عن أتباعه من المستضعفين.
كانت أم عمار سمية بنت خياط رضي الله عنها ، جارية لرجل من بني مخزوم يدعى أبي حذيفة بن المغيرة ، وقد زوجها في الجاهلية لعبدا عنده يدعى ياسر بن مالك العنسي ، وأنجبا عمار بن ياسر وبذلك كانوا ملتصقين ببني مخزوم ، وقد كانوا من أوائل من آمن بالإسلام سرًا ، وقد كان عمر سمية وياسر حينما دخلا الإسلام يقارب الستين عامًا ، أما ابنهم عمار فقد تجاوز الأربعين ، أخفى آل ياسر إسلامهم عن قريش لمدة أربعة سنوات .
ولما انكشف أمر إسلامهم استشاط أبا جهل غضبًا ، فقد كان سيد بني مخزوم وكانت قبيلة بني هاشم قبيلة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ، دائمًا في منافسة مع قبيلة بنى مخزوم ، لذلك كان حقد أبا جهل على المسلمين شديد ، وأمر بتعذيبهم تعذيبًا شديدًا بالرغم من أن سمية وياسر ، كانا عجوزين ضعيفين في ذلك الوقت ، ولكن ذلك لم يشفع لهما ، كان أبا جهل يلبسهما قمصان من حديد ويصهر عليهما النار في حر مكة الشديد ، ويمنع عنهم الماء .
وقد مر النبي عليه الصلاة والسلام ومعه عثمان بن عفان رضي الله عنه بهم وهم يعذبون وقد كان لا يملك في ذلك الوقت دفع الأذى عنهم فسأله ياسر يا رسول الله : الدهر هكذا ؟ ، بمعنى هل سنظل نعذب هكذا طول العمر؟ ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أصبر ، ثم قال عليه الصلاة والسلام اللهم اغفر لآل ياسر وقد فعلت .
وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلّ الله عليه وسلم يقول لأبي عمار ، وأم عمار : اصبروا آل ياسر إن موعدكم الجنة ، بالرغم من شدة التعذيب التي تعرض لها آل ياسر ، إلا أنهم رفضوا الارتداد عن الإسلام ، وقد أغاظ ذلك أبا جهل فأمسك رمحه وطعن سمية رضي الله عنها في موضع عفتها ، وبذلك أصبحت أول شهيدة في الإسلام ، ثم تبعها زوجها ياسر ونال الشهادة.
أما عمار فقد ذهب إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام يبكي فسأله ما بك يا عمار ؟ فقال للنبي عليه الصلاة والسلام أن الكفار قالوا له سب محمدًا حتى نتركك وأنه من شدة التعذيب فعلها .
فسأله النبي عليه الصلاة والسلام فكيف قلبك يا عمار قال عمار ، مطمئنًا بالإيمان يا رسول الله ، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام : فإن عادوا فعد يا عمار ، وقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام يحبه وكان إذا رأه يقول له أجلس بجواري يا عمار حتى أدعوا لوالديك ونزلت الآية الكريمة { إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ } سورة النحل .
وقد عاش رضي الله عنه حتى عمر التسعين بعد أن خدم الإسلام بكل ما يملك ، ومات عام 37هـ ، في معركة صفين ، رضي الله عن آل ياسر وأرضاهم أول شهداء في الإسلام .