قال عنه الرسول صلّ الله عليه وسلم : إن لكل نبي حواريًا ، وحواري الزبير بن العوام ، كان الزبير رضي الله عنه فتي صغيرًا لا يتجاوز الخامسة عشرة حين أسلم ، وكان ترتيبه الخامس بين من دخلوا الإسلام ، فقد نادته عمته خديجة زوجه الرسول صلّ الله عليه وسلم ، وقالت له : ما هذه الأصنام التي يعبدونها ؟ تعال أدلك علي الطريق الصحيح.

وأقنعت الفتي أن يسلم ، وقد كان الخامس لم يسبقه إلا عمته خديجة وأبو بكر وعلي وزيد بن حارثه ، وغضب عليه عمه وعلقه وأشعل النار تحته ، وانطلقت ألسنتها تلسعه ودخانها يعمي عينيه ويكاد يخنقه ، وبرغم ذلك راح يتنفس من خلال هتافه : لا اله إلا الله محمد رسول الله ، وبقي الصبي علي إسلامه وراح يكبر به وينمو معه .

وذات يوم سمع أن المشركين قتلوا رسول الله ، فما كان منه إلا أن اختطف سيفه وانطلق غافلًا عن نفسه ؛ فما كان يرتدي ثيابه بل كان عاريًا يستره سروال بسيط ، كان غاضبًا شاهرًا سلاحه يود أن ينتقم.

وكانت المفاجئة أنه التقي بالرسول صلّ الله عليه وسلم : فسأله : مالك يا زبير ؟ فأجاب الزبير : سمعت أن قريش قد قتلتك ، فقال الرسول صلّ الله عليه وسلم : فما كنت صانعًا ؟ قال : أردت والله أن استعرض أهل مكة وأجري دمائهم كالنهر لا أترك منهم أحدًا إلا قتلته حتى أقتلهم عن أخرهم .

فضحك النبي صلّ الله عليه وسلم وخلع رداءه وألبسه الزبير وبشر الزبير قائلًا : أن الله سبحانه وتعالي قد أعطاه ثواب كل من سل سيفًا في سبيل الله ؛ منذ بعث الرسول إلى أن تقوم الساعة من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا ، لأن الزبير بهذا الذي فعله كان أول من سل سيفا في سبيل الله.

وقد جعل الإسلام من الزبير بن العوام مبارزًا من طراٍز فريد ، فقد سارع الزبير يوم بدر إلى البئر ، وعندها أسر عبدًا لقريش وسأله عن عدد المشركين ؟ فرفض العبد إخباره بعددهم فسأله الرسول صلّ الله عليه وسلم : كم يذبحون من الجمال في كل يوم ؟ فأجاب العبد : أنهم يذبحون يومًا تسعه ويومًا أخر عشرة ، فقال الرسول صلّ الله عليه وسلم : إذن القوم عددهم مابين التسعمائة والألف ؛ لأن الجمل يطعم مائة فرد !

وتقابل الجمعان ، وعندما بدأت المعركة ونزل إلى ميدانها عبيدة بن سعيد بن العاص يصيح : هل من مبارز ؟ وكان مدججًا بالسلاح وعليه دروع لا يظهر منها غير عينيه ، وبرغم ذلك فقد خرج إليه الزبير وعلي رأسه عمامته الصفراء ، وسلاح أعطاه إياه الرسول صلّ الله عليه وسلم ، وتمكن منه الزبير وأنهي حياته ثم استعاد سلاحه ليرده للرسول صلّ الله عليه وسلم ، وهذا السلاح أخذه بعد وفاة الرسول وطلبه أبو بكر ، فأعطاه إياه وتوارثه عمر وعثمان ، وعلي رضي الله عنهم إلى أن أخذه ابنه عبد الله بن الزبير.

وفي غزوة أحد خرج المسلمون إلى المشركين ، ونزل طلحه بن أبي طلحه ينادي هل من مبارز؟ وكان أن خرج له الزبير وأرداه قتيلًا ، وأيضًا في غزوه الخندق كان يأتي بأخبار اليهود للرسول ، ونزل في ميدان المعركة من اليهود نوفل بن عبد الله ، وتصدي له الزبير بن العوام وبارزه وتمكن منه وأجهز عليه ، وفي غزوه خيبر خرج ياسر وهو من عمالقة اليهود يطلب المبارزة ، وما كان من الزبير إلا أن خرج له وانهي حياته وقتله ، وبعدها انهار اليهود وهزموا هزيمة ساحقة ، واستولى الزبير على مالهم وذهبهم ، وقال الرسول صلِّ الله عليه وسلم : هذا حلال.

وعندما أذن الله للرسول صلّ الله عليه وسلم بفتح مكة خرج المسلمون بجيش من عشرة ألاف مقاتل ؛ علي مقدمته خالد بن الوليد وعلي اليمين أبو عبيدة بن الجراح ، وعلي اليسار الزبير بن العوام ، وفي القلب رسول الله صلِّ الله عليه وسلم ، وكان الزبير مع خمسمائة يرفعون راية سوداء ترعب عدو الله ، وكان الفتح المبين واستسلمت قريش وقال لهم رسول الله صلِّ الله عليه وسلم : اذهبوا فأنتم الطلقاء .

واستدعي الرسول صلِّ الله عليه وسلم الزبير وأمره أن يهدم هبل ؛ ذلك الصنم الكبير فهشمه الزبير حتى صار ترابًا ، وعاد الزبير بعدها إلى المدينة المنورة وعمل بالتجارة وصار من الاغنياء ، وعندما سألوه عن ذلك قال : ما اشتريت غبنا ؛ أي ظلما ولم أرد ربحًا ، الله تبارك وتعالي يعطى من يشاء.

شارك الزبير في معركة تبوك وانتصر المسلمون على الروم ، وبعد ذلك لقي الرسول ربه وبدأت الفتوحات ، وكان الزبير حاضرًا فيها ، وكانت أعظمها معركة اليرموك حيث اصطحب معه زوجته وابنه ، وقاتل الثلاثة ضد الروم قتالًا مريرًا ، وحين زحفت القوات إلى مصر بقياده عمرو بن العاص ، وقفت القوات أمام حصن بابليون غير قادرة علي اقتحامه ، وطلبوا المدد وجاء الزبير وصعد إلى أعلى الحصن ؛ غير عابٍئ بأسهم تكاد تقتله من الأعلى ، وصعد وكبر الله أكبر وفُتحت مصر .

وبعد ذلك زحفت جموع المسلمين إلى ليبيا غربًا بقيادة عبد الله بن أبي السرج أيام عثمان بن عفان ، وكان الزبير من المقاتلين معهم ، ولكن بعد مقتل عثمان بن عفان بايع الكثيرون علي بن أبي طالب ولم يرضي البعض عن ذلك ، ومنهم السيدة عائشة والزبير إلى أن يكشف سيدنا علي عن الفاعلين ويعاقبهم أولًا ، ولكن سيدنا علي كان يري أن الوقت غير مناسب لذلك ، ولم يرض الزبير والسيدة عائشة عن موقف علي رضي الله عنه ، وغادروا إلى البصرة وأرادوا قتاله في ما يعرف بموقعه الجمل .

ودعا علي بن أبي طالب الزبير قبل بدء المعركة ، فأقبل على حصانه وتقابلا وجهًا لوجه ، فذكره سيدنا علي بأن الرسول صلِّ الله عليه وسلم ذات مرة قال لهم : يا زبير لتقاتلنه وأنت له ظالم ، ويقصد أن الزبير سيقاتل علي رضي الله عنهما وهو ظالم له ، وبالفعل تذكر الزبير كلام المصطفى صلِّ الله عليه وسلم  ورن في أذنيه ، فوضع سيفه في غمده لا يريد أن يشارك في القتال ، وانتصر سيدنا علي رضي الله عنه في معركة الجمل وعفا عن الذين نصبوا له العداء .

ولم يكد ينصرف الزبير عن القتال بسلام حتى طعنه أحد الحاقدين عليه بطعنة غدر قاتلة ، وأسرع إليه ابنه عبد الله وحمله بعيدًا عن أرض المعركة ، وراح يهمس لابنه بوصيته قائلًا : يا بني إن عجزت عن شيء فاستعن بالله عليه بمولاي .

ويروى عن عبد الله بن الزبير أنه ما وقع في مشكلة إلا ورفع رأسه إلى السماء ، وقال : يا مولى الزبير ، ساعدني ! ودائمًا كان يجد الله إلى جانبه ، وهكذا استشهد البطل الذي علم ابنه الشجاعة وعلم العالم الإسلامي كله الإقدام  .

By Lars