استمر سيدنا ابراهيم يدعو الناس للوحدانية ، وعبادة الله وحده بمصر ولما علم الملك برغبته في العودة لأرض الشام ، سمح للسيدة هاجر أن تذهب مع سارة ، فقد صادقت سارة أثناء محنتها بين يدي الملك ، وكانت عونًا لها
يقال أن معنى كلمة هاجر هو زهرة اللوتس، وهاجر هي الأميرة هاجر سيدة القطرين ، وأميرة منف وزوجة مليكها ، كانت قد آمنت بآلهة قومها المتعددة ، تلك الآلهة التي قال عنها الكهان ، إنها تحمي المصريين وتدافع عنهم ، ولما حدث وهاجم الهكسوس زوجها ، وخرج لحربهم ، انتصر الهكسوس عليه ، وقتلوه ، وبدأت في السؤال عن الآلهة ، التي لا تفعل شيء لها ولأهلها ..!
وعندما هاجم الهكسوس قصرها ، فر كل من فيه من الأهل والخدم ، أما هي فقد بقيت مكانها ، ودخل الجنود إلى غرفتها وعرفوها من التاج ، أنها أميرة القصر فحملوها إلى قائد الجيش وحملها بدوره إلى الملك ، ومثلت بين يدي الملك وقد أهانها وأذلها وعيرها يجبن زوجها ، وأمر بنزع التاج وضمها إلى حريم القصر كباقي الجواري .
وامتثلت هاجر لما فرض عليها ، ولم تعبأ بالحال الجديد ، فقد كانت مشغولة بالتفكير ، حتى جاءت سارة وزاملتها هاجر ، ورأتها دائمة التسبيح والصلاة والذكر ، وقد ذكرها رسولنا الكريم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بأم إسماعيل عليه السلام ، وتعلمت منها كيف تصلي وتسبح ، بعد الهجرة استقر ابراهيم عليه السلام وزوجته سارة ، وهاجر بأرض كنعان .
كانت زوجة سيدنا إبراهيم الأولى السيدة سارة ، لا تنجب ومرت السنوات ، فلما كبرت السيدة سارة ويئست من الانجاب فراحت تفكر في تزوج هاجر من سيدنا إبراهيم لتنجب له ولدًا ، وكان معروف عنها الورع والتقوى ، وتزوج سيدنا إبراهيم من السيدة هاجر ، وأنجبت له ابنه إسماعيل ، ولكن دبت الغيرة في قلب السيدة سارة بعد أن رأت الطفل.
فأمره الله تعالى بنقل هاجر وأبنها إلى واد بلا زرع ولا ماء ، فأخذها سيدنا إبراهيم وإبنها وسار بها حتى وصل إلى مكان قاحل ، وتركها ولما هم بالانصراف نادته يا إبراهيم أالله أمرك بهذا ، فأجابها نعم ، فقالت : إذن لن يضيعنا ، وامتثلت هاجر للأمر فورا ، وانصرف إبراهيم عليه السلام
وهو يدعو ربه ويقول : {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (38) } سورة ابراهيم .
تركها سيدنا إبراهيم عليه السلام بلا طعام إلا كيس تمر ، وكيس ماء قد جلبهما معه ، وعاد إلى بلاد الشام ، وظل يدعو الله أن يحفظ زوجته وابنه ، وحين نفذ التمر والماء ظلت السيدة هاجر ورضيعها في حر الصحراء القاحلة بلا ماء ولا طعام .
واستمر الطفل في البكاء من شدة الحر والعطش ، انفطر قلب السيدة هاجر من شدة بكاء رضيعها ، وظلت تهرول بين جبلين في الوادي الفسيح يطلق عليهما الصفا والمروة ، سبع أشواط فلم تجد شيء غير رمال الصحراء فعادت إلى رضيعها ، وقد كان يضرب الأرض بقدميه بقوة من شدة الحر والجوع والعطش ، لتجد الماء قد تفجر بين قدميه فأخذت تجمع حوله التراب وتقول لها زمي زمي ، وأصبح هذا المكان بئر زمزم المقدس .
تجمعت الطيور حول البئر لتشرب من الماء ، ومرت الأيام بطيئة ثقيلة ، حتى نزل على هاجر وابنها إسماعيل بعض أناس من قبيلة جُرْهُم ، وأرادوا البقاء في هذا المكان ؛ لما رأوا عندها الماء ، فسمحت لهم بالسكن بجانبها ، ومشاركتها في الشرب من ماء زمزم ، واستأنست بهم، وشبَّ الطفل الرضيع بينهم ، وتعلم اللغة العربية منهم ، ولما كبر تزوج امرأة منهم ، أصبح السعي بين الصفا والمروة من فرائض الحج بفضل السيدة هاجر تكريمًا لها .
عاشت السيدة هاجر بأرض مكة المباركة حتى أتم زوجها وابنها بناء الكعبة بيت الله الحرام ، ولقبت بأم العدنانيين ، وتوفيت ودفنها ابنها سيدنا إسماعيل الذبيح بجوار البيت الحرام .