لقد خلق الله سبحانه وتعالى البشر أجمع من نسل أدم عليه السلام ، فمنا من اهتدى وأسلم وجه لرب السموات جل جلاله ، ومنا من أعرض ، وعاث في الأرض فسادًا ، ويأجوج ومأجوج قوم ورد ذكرهم بالقرآن الكريم ، وقصت عنهم الأقاصيص ؛ فهم قوم إذا ذكر الخراب ذكروا ، وإذا شاع الفساد وجدوا ، وهم من نسل أدم عليه السلام ، ومكانهم لم يذكر تحديدًا في القرآن ؛ فهم في مكان لا يعلمه إلا الله عز وجل .
ومن علامات الساعة الكبرى أن يخرجوا علينا ؛ ليأكلوا الأخضر واليابس ، ويفسدوا في الأرض ، ولا ينجى منهم إلا من اتبع الحق ، واتخذ صف سيدنا عيسى عليه السلام مكانًا .
من هم يأجوج ومأجوج :
إن كلمة يأجوج ومأجوج قد تكون نسبتها إلى موج الأرض أي حركتها ، أو من الملح الأجاج شديد الملوحة ، والله أعلم بما هو دون ذلك ، وتبدأ القصة حينما خرج ذي القرنين عليه السلام ، وطاف بملكه الذي مكنه الله منه في الأرض .
ورأى من الأمم الظالمة ، والمؤمنة إلى أن وصل إلى قوم استغاثوا به من فساد قوم مجاورين لهم ، وهم يأجوج ومأجوج ، والذين عاثوا في الأرض فسادًا ؛ فقتلوا الناس ، ودمروا الأخضر واليابس ، ولم يستطع على ردعهم أحد .
فلما علم ذي القرنين بأمرهم ، هداه الله لوضع سد بينهم ، فطلب من الجميع أن يعينوه ، بجمع كميات هائلة من الحديد ، ووضعها بين السدين ، والذي كان يحيا هؤلاء الفاسدين خلفه ، وزادوه بالخشب والنحاس ، وأشعلوا فيه النار حتى انصهر ، فأصبح كتلة واحدة ، فصار سدًا منيعًا ، لا يقدر على دكه أحد إلا بمشيئة الله عزوجل .
سيرة يأجوج ومأجوج :
ورد في الحديث عن رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، مشهد من مشاهد يوم القيامة ، طلب فيه الله عزوجل من أدم عليه السلام أن ينظر إلى نسله ، ويخرج أهل النار منهم ، فيقول أدم عليه السلام ، أنا لا أعرف عددهم ، ومن هم ، فيقول له الله أخرج تسعمائة وتسعة وتسعين في النار من كل ألف وواحد في فقط في الجنة .
ففزع الصحابة عند سماعهم ذلك ، وقالوا لما يا رسول الله ! فقال لهم ليس منكم أنتم ؛ إنما من قوم يأجوج ومأجوج ، وهم ذرية كثيرة العدد عاثت في الأرض فساداً ، وقد بنى الله بينكم وبينهم سداً ، ولن يخرجوا منه إلا في أخر الزمان حينما يأذن الله تعالى .
وذات يوم دخل الرسول صلّ الله عليه وسلم على زوجته زينب بنت جحش وقال لها : ويل للعرب من شر قد اقترب ، فقد بدأ السد الذي بيننا وبين يأجوج ومأجوج ينخر ، فسألته زوجته : أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال لها نعم : إذا كثر الفساد والخبث .
إن يأجوج ومأجوج يحاولون جاهدون أن يخرجوا لنا ، ولكن الله يعصمنا منهم ، فكل يوم يخرجون لحفر السد ، وحين يستبد بهم التعب يرحلون ليعودوا في اليوم التالي ، ولكنهم يجدون الله قد أضاع ما فعلوا ؛ لأنهم لا يقدمون المشيئة عند الفعل ، ولكن في أخر الزمان سيجعلهم الله ينطقون بالمشيئة ، وسيهدم السد، ويخرجون .
خروج يأجوج ومأجوج :
سيأتي على الناس فتن لن يعصمهم منها إلا تمسكهم بدين الله ، والقبض عليه بيد من حديد ، فبعد نزول المهدي المنتظر ، الذي جعله الله فرصة أخيرة للقوم الظالمون ، ينزل المسيخ الدجال ليأخذ أتباعه الظالمون في صفه ، فينزل الله عيسى عليه السلام ليقتل الدجال وقومه .
وبعد نزول عيسى عليه السلام ، يهدم السد ويخرج يأجوج ومأجوج من محبسهم ليعيثوا في الأرض فسادًا ، ولا يقف أمامهم أحد فيشربون ماء البحيرات كله ، ويقتلون الناس ، ويأكلون الأخضر واليابس ، ويوحي الله تعالى لعيسى عليه السلام أن يتجه بقومه إلى جبل الطور ليعتصموا به ، منشر هؤلاء القوم الذين ليس لهم من رادع سوى إرادة الله تعالى .
فناء يأجوج ومأجوج :
فيدعي عيسى عليه السلام ربه أن يخلصهم من شرهم ، ويطلب من الناس الذين اتخذوه صفه ، أن ينزل أحدهما ليرى ما فعله الله بهؤلاء القوم ، فيخشى الناس النزول إلا رجلًا صالحًا ينزل ليرى ما حدث بهم .
ويرى ما لم يكن يتوقع ، أعداد هائلة من الجثث صرعي على امتداد البشر ، كلهم ماتوا كنفس واحدة ، قبض الله تعالى أرواحهم في ذات اللحظة بأن أطلق عليهم جند من جنوده وهو النغث ، ويقصد به الدود الصغير الذي يتواجد في أذان الإبل والماعز .
ولما عاد الرجل إلى الجبل أخبر سيدنا عيسى عليه السلام ، أن الله أهلكهم ولم يبقى منهم أحد ، فنزل عيسى عليه السلام ومن معه من التابعين وشاهدوا الجثث تملئ أرجاء الأرض فدعا الله سبحانه أن يطهر الأرض من جيفهم ، فأرسل عليهم طيور عظيمة أخذت تحمل الجثث ، وترميها في البحر ، وأرسل المطر ليغسل الأرض ، فتطهرت من دنسهم .
ثم يحكم عيسى عليه السلام الأرض ، ويقتل الخنزير ، ويكسر الصليب ، وينشر الأمن والعدل بين الناس ، ولن ينجى من ابتلاء يأجوج ومأجوج إلا من اتخذ صف المسيح عليه السلام ، فعلموا أولادكم الدين الصحيح ، واحكوا لهم قصص الإسلام ، لعلهم يمرون بهذا الابتلاء.