لما خلق الله سبحانه وتعالي الأرض جعل يوم الجمعة يوم عظيم ، وميزه عن سائر الأيام الأخرى ؛ فجعل فيه العبادات والطاعات ، والراحة من مشقة وجهد العمل ، ولكن اليهود تجبروا ، وعصوا أمر الله ، واختاروا السبت يوما لهم ، فعاقبهم الله بنفس ما صنعوا ، وحرم عليهم الصيد في يوم السبت ، ولكنهم تحايلوا على الله ، ونسوا أنه المطلع القدير .
بداية القصة :
قال تعالى {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ}سورة الاعراف الآيات من 163-166 .
في قرية من قرى بني إسرائيل على سواحل البحر الأحمر ، وقعت أحداث هذه القصة ، يقول بعض المفسرين أنها وقعت في زمان داود عليه السلام ، وكان أهل القرية يعملون بالصيد ، وحرم عليهم الله الصيد في هذا اليوم ، فكانت الأسماك تتجمع قرب الشاطئ في يوم السبت ، ولكنهم لا يستطيعون لمسها ، أما أيام الأسبوع الأخرى لا يجدون فيها من الخير ما يكفيهم .
فلما طال بهم الحال علي ذلك ، فكر واحد منهم في حيلة يحتال بها على الأمر ، وقال في نفسه أي دين هذا الذي يمنع الرزق ! وقرر أن يرمي شباكه في البحر مساء يوم الجمعة ، فتتجمع بها الأسماك يوم السبت ، ويخرجها في ليل الأحد ، وبهذا لا يكون قد عصى الأمر ؛ لأنه لم يرمي شباكه في السبت ، ولكن الله سبحانه وتعالي يعلم اليهود وحيلهم ، وقد كان هذا اختبارًا لهم ، ولكنهم لم يجتازوه .
عصيان الأمر :
لما عاد الرجل إلى بيته عمد إلى طهي السمك حتى يأكل منه ، فلم اشتم اليهود الرائحة ذهبوا إليه ، وسألوه عن السبب ، فحكي لهم فعلته ، فقرر بعضهم أن يفعل مثل ما فعل ، وتكالبوا على البحر ، ينهلوا ويصطادوا منه ما يشاءون ، والله سبحانه وتعالي لا يمنع عنهم رزقه .
انقسمت القرية حينها إلى ثلاثة أقسام : قسم عصى الله واصطاد في يوم السبت ، وقسم خشي الله ولم يفعل ، ولكنه ظل صامتًا ، أما القسم الثالث فهم القلة المؤمنون الذين لم يعجبهم فعلة أبناء عمومتهم ، فنصحوهم بالتوبة والرجوع عن عصيان أمر الله ، ولكن الله لا يهدي الظالمون .
ظل أصحاب السبت على طغيانهم ،ووصل بهم الأمر أن خرجوا في يوم السبت نفسه للصيد ، وتركوا الحيل جانبًا متحدين إرادة الله عز وجل ؛ لما لم ينزل بهم العقاب ، وقد كان الله يمهلهم لعلهم يرجعون .
وخاف المؤمنون في القرية من عقاب الله ، فقرروا أن يبنوا بينهم وبين أصحاب السبت سور ، ويمتنعوا عن الاختلاط بهم ؛ حتى لا يطولهم عقاب الله ، وذات يوم خرجوا لأعمالهم ، لكنهم لم يروا من أبناء عمومتهم أحد ، فظنوا في الأمر شيئًا ، وذهبوا إلى حصنهم .
نهاية الظالمون :
ولما نادوا عليهم لم يرد منهم أحد ، فتسلق أحدهم سور الحصن ، وفتح للآخرين ، ويا لهول ما رأوا ؛ فلم يكن في الحصن انسي ، لقد سخطهم الله سبحانه وتعالى قردة خاسئين جزاء لهم عما فعلوا .
فكان الواحد منهم يعرف أقاربه وأبناء عمومته ، وهم لا يعرفون ، يذهب يتمسح بهم ويرقد عند أقدامهم ، يبكي عما أل إليه حاله ، فيقول له القلة المؤمنون : أما نصحناك من قبل ، ولم تتعظ ، لقد جاء وعد الله ، وأُهلكَ الظالمون .
وبعد ثلاثة أيام آماتهم الله ، فالمسخوط لا يحيا أكثر من هذا ، وقد كان في سخطهم عبرة لبني إسرائيل ، ولكن ورغم كل شيء ما زالوا حتى الآن في طغيانهم يعمهون .