من أروع القصص التي ورد ذكرها بالقرآن الكريم قصة أصحاب الكهف ، بها من العبر والعظات ما يثلج قلوب المؤمنين ، وقد نصر الله سبحانه وتعالى بها رسوله الكريم حينما أرادت قريش تعجيزه ؛ فأرسلت إلى اليهود تسألها كيف السبيل ؟ ، فقال اليهود اسألوه عن ثلاث : فتية ذهبوا ولم يعرف عنهم أحد ، ورجل طواف بالبلاد ، والروح .

فلما سألوا نبي الله صلّ الله عليه وسلم ، قال لهم : غدًا أجيبكم ، ولما جاء الغد لم ينزل على الرسول وحي من الله ، فقال لهم غدًا أجيبكم ، وظل الحال هكذا إلى أن أصاب الرسول صلّ الله عليه وسلم الهم والحزن .

وبدأت قريش تشكك في نبوءته ؛ فأنزل الله عليه بعض الآيات التي تذكره بتقديم المشيئة قبل الوعد بالفعل ، فلما جاءوه ثانية يطلبون الإجابة قال لهم : غدًا ان شاء الله أجيبكم ، وبالفعل نزلت الإجابة ، وكانت هذه القصة.

قصة فتية أمنوا بالله:
في قرية كانت تعبد الأصنام و الأوثان والنجوم ، وكل ما هو دون الله ، وكان هناك فتية من أبناء الملوك لا يعرف عددهم ، أعملوا عقولهم ، وأدركوا أن هذا الآلهة لا تضر ولا تنفع ، فلم يرضوا بعبادتها ولا التقرب لها .

وفي يوم عيدهم خرج الجميع للتقرب والصلاة للآلهة ، لكنهم اعتذروا ولم يذهبوا معهم ، وخرج كل منهم وجلس قرب شجرة يستظل بها في مكان واحد ؛ فقد شاء الله أن يجمعهم ليتحادثوا ويُطلع كل منهم على ما بقلب الأخر .

الذهاب للكهف :
فقال أحدهم إن أهلنا ظالمون يعبدون أصنامًا لا تضر ولا تنفع ، ويتركون القدير الذي خلق كل شيء وصوره في أحسن صورة ، فوافقه الباقون وقالوا له نطقت بالحق ، أنهم قوم ظالمون ونحن نخشى على أنفسنا إن رجعنا لهم أن يرغمونا على ألهتم وعبادتها .

فاقترح أحدهم أن يذهبوا بعيدًا وينجوا بدينهم الذي ربط به الله على قلوبهم ، واتفق الفتية على ذلك ، وساروا سويًا ومعهم كلبهم ؛ مجتمعين على حب الله وتوحيده إلى أن رأوا كهفًا ، فدخلوا يستلقون به ، ويريحون ظهورهم ، فغلبهم النعاس ، وظلوا على هذه الحال ثلاثمائة وتسع سنين ، يقلبهم الله على جنوبهم حتى يظن المار بهم أنهم نائمون .

الاستيقاظ بعد النوم :
ولما استيقظوا شعروا بالجوع ، فأرسوا واحدًا منهم إلى القرية ، ليشتري أذكى الطعام ، وأعطوه النقود ، فذهب متلطفًا حتى لا يشعر به أحد من قومهم ، ولكنه ذهل كثيًرا مما رأى ؛ فقد تغيرت القرية وتغير الناس وتغير زيهم ، ولكنه لم يدري لهذا سببا .

فذهب لأحد الباعة يطلب منه طعامًا ، وأعطاه ما معه من مال ؛ فلما رأى الرجل هيئته وماله ذهب به للملك ، فسأله الملك لمن هذه النقود ؟ فأقسم أنها له ولأصدقائه ، وأنهم خرجوا اليوم من قصورهم ، واستلقوا في الكهف بضع ساعات ، وحينما رجع إلى القرية وجدها تغيرت ، وتغير أهلها .

تعجب الملك كثيرًا من الأمر ، وكان ملكًا صالحًا ؛ فقد بعثهم الله في القرية وهي مؤمنة ، وسأله الملك عن اسمه واسم رفاقه ؛ فأجابه الفتى باسمه وأخبره بكنية رفاقه ، وقد كان الملك على علم بقصة الفتية الذين اختفوا من القرية منذ قرون .

أية الله :

فأخبره الملك انهم لبثوا في الكهف ثلاثمائة وتسع سنين ، وطلب منه أن يأخذه معه إلى الكهف ، وهناك دخل الفتى على رفاقه ، وأخبرهم بما كان ، فذهلوا كثيرًا مما سمعوا ، وازدادوا ايمانًا على ايمانهم فقبض الله أرواحهم في الحال ، وأغلق عليهم أهل القرية كهفهم ، وتركوهم وهم يفكرون في قدرة الله الذي قال في كتابه العزيز بسورة الكهف :

{ أمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَبًا (9) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10) فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11) ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَاْ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14) هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15) وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا (16) وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18) وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20) وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21) سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22) وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24) وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِاْئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26) }

By Lars