إن فتنة المسيخ الدجال من أعظم الفتن التي سيتعرض لها بني البشر على مر التاريخ ، فالفتنة ستكون في الدين وليست في الدنيا ، وقد حذر جميع الأنبياء والرسل منها بداية من سيدنا نوح عليه السلام ، حتى سيدنا محمد صلّ الله عليه وسلم ، فالدجال خطبه عظيم ، وهناك من سيتبعه ، وأكثر تابعيه من اليهود ، وظهوره في الأرض من علامات الساعة الكبرى .
وقد حدث في عهد رسول الله أن الصحابة والمؤمنين راودهم الشك في فتى من اليهود بأنه هو الدجال ، ولكن الرسول لم يكذب ذلك ، أو ينفيه ، فلم ينزل الله عليه خبرًا بهذا الشأن ، وظل الأمر إلى وقتنا هذا في علم الله عزوجل .
قصة ابن صياد :
روى الصحابة أنه في عهد رسول الله حينما هاجر من مكة إلى المدينة ، كان هناك غلامًا من بني إسرائيل لم يبلغ الحلم بعد ، واسمه صاف ابن صياد ، كان الناس يشكون في أمره هل هو المسيخ أم ليس هو ؟ ، فقد كان يزعم أنه الدجال الأكبر ، وبدأ الناس يخافون من هذا الفتى ، فهو ساحر يتعامل مع الجن والشياطين ، وكان الناس يهابونه.
فأراد الرسول صلّ الله عليه وسلم ، أن يستطلع أمره فدخل النبي إليه ، وسأله أتشهد أني رسول الله ، فرد عليه الفتى ردًا جريئًا ، وقال له : أشهد أنك نبي الأميين ، وبادره الفتى بنفس السؤال أتشهد أني الرسول الله ؟ فقال النبي أعوذ بالله أمنت بالله ورسوله.
وقال له الرسول صلّ الله عليه وسلم يومًا خبئت لك خبيئا في صدري أريد منك أن تعرفه ؟ فقال ابن صياد : الدخ ، فرد عليه الرسول اخسأ فلن تعلو قدرك ، فلما سأل الصحابة رسول الله بعدها عن مغزى هذا الحوار أخبرهم بأن الله تعالى أنزل عليه صورة الدخان .
وأراد أن يختبر الغلام ليعرف هل في قدرته أن يطلع على الغيب أم لا ، ولكنه لم يعرف سوى نصف الكلمة التي قد بلغها إياه الشياطين حينما سمعوها وهما يتلصصوا على الملائكة ، فقال له الرسول لن تعلو أكثر من قدرك ، فأنت لا علم لك إلا ما قدره الله .
كان الجميع يشك فيه ، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقسم أنه الدجال ، والرسول صلّ الله عليه وسلم ، لا يؤكد ولا ينفي ، ولكنه قال أنه سيكون له شأن في الأمة ، وفي مرة من المرات طلب عمر من رسول الله أن يتركه يقتله ، ولكن رسول الله قال له لو كان الدجال يا عمر فلست أنت الموكل بقتله إنما المسيح عيسى بن مريم عليه السلام ، وإن لم يكن هو ، وكان دجال من الدجالين فالله كفيل به.
أراد الرسول أن يراقبه أكثر ويتأكد منه ، فراقبه من بين الأشجار ليرى ماذا يفعل ومن يجالس ، ولكن أمه رأت النبي فنادته قائلة يا صاف يا صاف هذا محمد ، فانتفض صاف بن صياد ، وكان حينها في وضع كأنما يتواصل مع الشياطين ، ولكن الرسول لم يستطع سبر غوره.
انتشر خبر ابن صياد في المدينة ، والكل بدأ يحذر منه ، وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنه يتشكك في أمره ؛ فأراد أن يتثبت من أمره ، ففي يوم من الأيام حينما كان ابن عمر مارا بالطريق رأى بن صياد وهو أعور ! فذهل مما رأى وزاد الشك في قلبه ، وأراد أن يتأكد ، فأوقفه وقال له ما بال عينك ؟ فقال بن صياد ما بالها ؟ قال له صارت عوراء كيف ذلك ؟ فقال له بن صياد لا أعلم استيقظت في الصباح ، ووجدتها هكذا .
فجادله بن عمر ، وغضب عليه ، فغضب بن صياد غضبة شديد انتفخ من إثرها وملأ الطريق كما قال الرواي ، فخر عبد الله بن عمر مغشيا عليه ، وبعدما فاق أسرع إلى بيت حفصة أخته ، وحكا له ، فقالت له لما يا عبد الله أغضبته ؟ ألا تعلم أن الدجال يخرج في غضبة من غضباته.
بعد ظل بن صياد مسار حيرة بين الناس ، ولكن حدث أن اسلم بن صياد ، وصار مع الصحابة والتابعين ، فانقسموا في أمره جزء متأكد أنه الدجال ، وجزء لا يدري ؛ فالرجل قد أسلم ، والمسيخ كافر ، ولكنه أصبح أخا لهم في الإسلام ، وفي مرة من المرات خرج بن صياد مع الصحابة من المدينة إلى مكة يريدون العمرة ، وكان فيهم أبو سعيد الخضري .
في الطريق عسكروا وكل ذهب يقضي حاجه ، فلما يبقى أحد عند المتاع سوى أبو سعيد الخضري ، وبقى معه ابن صياد ، فجلس يحادثه ، وكان الخضري يخشاه ولا يثق في أمره ، حتى أن ابن صياد عرض عليه أن يشرب اللبن الذي حلبه ، ولكن الخضري أعتذر منه رغم عطشه ، فقال له بن صياد : يا أبا سعيد أنت من أصحاب رسول الله ، وسمعت الحديث الدجال ، ألم تعلم أنه كافر وأنا مسلم ؟ كيف أكون الدجال ؟ .
ألم يقل لكم رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، أنه لا أولاد لديه وأنا عندي أولاد ! ألم يقل لكم أيضا أن الدجال لا يدخل مكة ولا المدينة ، وها أنا قادم من المدينة وذاهب إلى مكة ، كيف أكون الدجال إذن ؟ فارتاح أبو سعيد للكلام وأحس أن كل هذا ينفي احتمالية كونه الدجال ، فتغير وجه بن صياد بعدها وقال : أنا أعرف الدجال ، وأعرف من أبوه ، وأمه ، ولو عرض عليا أن أكون الدجال لوافقت ؛ ففزع منه أبو سعيد مرة أخرى.
وظل حتى الآن أمر الدجال مبهما لا أحد يعرف هل هو بن صياد أم لا ، وهناك بعض الرواة الذين قالوا أظن بن صياد ارتد عن الإسلام وخرج من دين محمد صلّ الله عليه وسلم وأن أولاده ماتوا جميعا ، وأنه اختفى في معركة من معارك على بن أبي طالب رضي الله عنه ، ولم يجدوا له جثة ، ولا يعرف حتى الآن هل مات أم إلى أين ذهب .
ولكن الأكيد في ذلك الأمر أن النبي صلّ الله عليه وسلم قال أنه سيكون له شأن في الأمة ، فقد كان على صلة بالشياطين التي تبلغه بأخبار الأمة ، وهكذا تنتهي قصة ذلك الدجال الذي لا نعرف هل هو الدجال الأكبر ، أم أنه مجرد دجال أخر ابتليت به الناس في عهد النبي صلّ الله عليه وسلم .