من المؤشرات التي لا يمكن إغفالها عن أهمية المرأة المسلمة في الدعوة والجهاد الإسلامي ، أن عدد من هاجر من النساء إلى الحبشة في ركب من هاجروا هن إحدى عشر امرأة ، تخلَّت عن أعراض حياتها الزائفة الزائلة من مال وولد وأهل وبلد في سبيل الله .
تركت وطنها الغالي ومضت إلى الحبشة حيث الأرض النائية والغربة عن الجنس واللون والقوم في سبيل العقيدة التي آمنت بها ، وعندما أراد الله لهذا الدين الانتشار وانبثاق فجره ، كانت أول من هاجر هي وزوجها إلى بلاد غريبة فرارًا بعقيدتهما ودينهما .
النسب :
السيدة رقية بنت محمد بن عبد الله صلَّ الله عليه وسلم ، كانت أمها السيدة خديجة رضي الله عنها ، ولدت بعد السيدة زينب رضي الله عنها قبل البعثة النبوية بسبع سنوات ، وأدركت الإسلام ولُقِبت بذات الهجرتين لأنها هاجرت إلى الحبشة وإلى المدينة المنورة .
زواجها :
قال أبو عمر بن عبد البر : ذكر أبو العباس محمد بن إسحاق السراج ، قال سمعت عبد الله بن محمد يقول : ولدت رقية بنت محمد صلَّ الله عليه وسلم ورسول الله ابن ثلاث وثلاثين ، وكانت رقية عند عتبة بن أبي لهب ، وأختها أم كلثوم عند عتيبة بن أبي لهب ، فلما نزلت الآية الكريمة { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } ، فقال لهما أبوهما أبو لهب وأمهما أم جميل : فارقا ابنتي محمد ، وقال أبو لهب : رأسي من رأسيكما حرام إن لم تفارقا ابنتي محمد .
ففارقاهما فتزوج عثمان بن عفان رضي الله عنه ، من السيدة رقية رضي الله عنها بمكة المكرمة ، ثم هاجرت معه إلى أرض الحبشة ، وولدت له هناك ابنًا فسماه عبد الله وبه كان يكنى .
الهجرة إلى الحبشة :
كانت الهجرة هي المرحلة الثانية من مراحل الدعوة ، ومرحلة نضال من أدق مراحل النضال ، وإن كانت قد اتسمت بالمغامرة ، فإن المغامرة من أسمى ألوان النضال البطولي .
يقول أنس بن مالك رضي الله عنه : خرج عثمان بن عفان رضي الله عنه ومعه امرأته إلى أرض الحبشة ، فأبطأ على رسول الله صلَّ الله عليه وسلم خبرهما ، فقدمت امرأة من قريش فقالت : يامحمد ، قد رأيت خَتَنَك –أي صهرك- ومعه امرأته ، قال : على أي حال رأيتهما ؟ ، قالت : رأيته قد حمل امرأته على حمار ، من هذه الدابة الضعيفة التي تدب في المشي يسوقها .
فقال الرسول صلَّ الله عليه وسلم : صحبهما الله ، إن عثمان أول من هاجر بأهله بعد لوط عليه السلام ، إن الهجرة إلى الحبشة كان الدافع إليها مخافة الفتنة ، والفرار إلى الله بدينهم ، ولم يكن الدافع إليها هو القيام بنشر الدين الإسلامي ، لأن بلاد الحبشة في ذلك الوقت كانت تدين بالمسيحية ، ولم تكن المسيحية هناك تتحمل أن يزاحمها الدين الجديد حتى ولو كان على رأس الحبشة ملك لا يُظلم عنده أحد .
الهجرة إلى المدينة :
لقد كان الفرار بالدين هو سبب من أسباب الهجرة إلى المدينة ، ولكن ليس السبب الرئيس ، فالدافع الرئيس وراء الهجرة كان التحول والانطلاق ، حيث يتيسر للمهاجرين أن يؤسسوا في المهجر وطنًا لهم ، فقد كان الإسلام طوال ثلاثة عشر عامًا دينًا بلا وطن ولا دولة .
وفاتها :
وتلقى رقية رضي الله عنها ربها ، بعد أن وقعت فريسة الحمى ، وكان ذلك أثناء معركة بدر رحم الله رقية ذات الهجرتين ، وعثمان ذا النورين ، وجزاهما عن جاهدهما وصبرهما أوفى الجزاء .