علم من أعلام المسلمين ، ورائعة من رائع القراء والمحدثين ، كان أعلم التابعين بكتاب الله تعالى ، وأدراهم بحديث رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، وأقدرهم على فهم القرآن العزيز والنفوذ إلى أغواره ، وأعمقهم في إدراك مراميه وأسراره ، فتعالوا نبدأ حياته من أولها ، فحياته غنية روائع المواقف والصور ، حافلة بثمين العظات والعبر .

مولد ونشأته :
ولد في بلاد فارس وعلى أرضها نشأ وترعرع ، ولما شرع المسلمون بغزو بلاد الفرس ؛ ليخرجوا من الظلمات إلى النور ، وكان عالمنا الجليل أحد الشبان الأرقِّاء الذين وقعوا في أيدي المسلمين الحانية ، وآلوا إلى رحابهم الخيَّرة البانية .

ثم ما لبث أن وقف هو ومن معه على سمو الإسلام ، ووازنوا بينه وبين ما كانوا عليه من عبادة الأوثان ؛ فطفقوا يدخلون إلى دين الله أفواجًا ، ثم اقبلوا على كتاب الله ، وجعلوا يتملَّون من حديث رسول الله صلّ الله عليه وسلم .

شدة حبه للقرآن
حدَّث رُفيع عمَّا كان عليه وما آل إليه قائلًا : وقعت أنا ونفر من بني قومي في أيدي المجاهدين ، ثم ما لبثنا أن عدونا مملوكين لطائفة من المسلمين في البصرة ، فلم يمضي وقت طويل علينا حتى آمنا بالله ، وتعلقنا بحفظ كتابه ، وكان منَّا من يؤدي الضرائب لمالكيه ، ومنَّا من يقوم على خدمتهم .

وكنت وحدًا من هؤلاء ، فكنا نختم القرآن كل ليلة مرة فشق علينا ذلك ، فجعلنا نختمه مرة كل ليلتين فشق علينا ذلك ، فجعلنا نختمه كل ثلاث فشق علينا لِما كنا نعانيه من جُهد في النهار وسهر بالليل .

فلقينا بعض أصحاب رسول الله صلّ الله عليه وسلم وشكونا لهم ، مما نكابده من السهر في قراءة كتاب الله ، فقالوا : اختموه كل جمعة مرة ؛ فأخذنا بما أرشدونا إليه ، وجعلنا نقرأ القرآن طرفًا من الليل ، وننام طرفًا آخر منه ، فلم يشق علينا بعد ذلك .

الغلام حرًا :
ولقد آل رُفيع إلى امرأة من بني تميم ، وكانت هذه المرأة سيدة رِصانًا رِزانًا مفعمة بالتقى والإيمان ، فكان يخدمها بعض النهار ، ويرتاح في بعضه الآخر ، فأتقن القراءة والكتابة في أوقات فراغه ، وتلقى خلالها طرفًا من علوم الدين ، دون أن ينال ذلك من حقوقها عليه .

وفي ذات يوم من أيام الجُمَع توضأ رفُيع فأحسن الوضوء ، ثم استأذن سيدته بالانصراف إلى الصلاة في المسجد فذهبت معه سيدته للصلاة في المسجد ، وعندما دخلا المسجد وامتلئ المسجد بالمصلين وارتقى الإمام المنبر ، امسكت بيده وقالت : اشهدوا يا معشر المسلمين أني قد أعتقت غلامي هذا رغبة في ثواب الله ، وطمعًا في بعفوه ورضاه .

طالبًا للعلم بكل مكان
دأب من ذلك اليوم إلى الذهاب إلى المدينة المنورة ، فحظي بلقاء الصدِّيق رضي الله عنه ، كما سَعِدَ بالاجتماع إلى أمير المؤمنين عُمر بن الخطاب ، وقرأ عليه القرآن ، وصلى خلفه .

ولم يقتصر طلبه لأحاديث رسول الله في المدينة المنورة فقط ، وإنما كان ينشد حديث رسول الله في كل مكان ، فإذا وُصِفَ له رجل بالعلم ؛ ضرب إليه أكباد الإبل مهما كان بعيد الدار ، نائي المزار .

ولد دأب على حض الناس على طلب العلم ، وجعل يرسم لهم السبل الوصول إليه ، كما كان يرسم لطلاب العلم الطريق الأمثل لحفظ القرآن ، فيقول : تعلموا القرآن خمس آيات خمس آيات فإنه أيسر إلى أذهانكم وأقوى على إفهامكم .

وفاته
كان من شدة تقاه أنه كان يلبس كفنه كل شهر ثم يرده إلى مكانه ، وفي شهر شوال من سنة ثلاثة وتسعين للهجرة انتقل العالم والواعظ والمجاهد رُفيع بن مهران ، إلى لقاء ربه نقي النفس واثقًا برحمة ربه متشوقًا إلى لقاء نبيه صلّ الله عليه وسلم .

By Lars