كان نبي الله سليمان – عليه السلام – ، يعرف لغة الطير كأبيه نبي الله داوود – عليه السلام – ، بعلم من الله تعالى ، فيفهم ما تريده بأصواتها ، كما يُفهمُها ما في نفسه ويحاورها ، ولقد سخرها الله تعالى لنبيه سليمان ، يأمرها فتأتمر ، ويوجهها إلى أية جهة أراد ويستعملها في بعض المهمات والشئون .

قد أرسل الله تعالى ، داوود وسليمان عليهما السلام لبنيّ إسرائيل ، وتولّى سيدنا سليمان عليه السلام ، الملك بعد وفاة والده الّذي كان عادلاً مع شعبه رحيماً بهم ، ويحكم بينهم بما أمره الله .

مُلكِ سليمان :
آتاه الله ملكاً عظيماً لم يؤته لأحد من قبله ، ولن يؤتيَه لأحد بعده ، حيث أن سيدنا سليمان دعا الله فقال : {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ } سورة ص : الآية 35 .

فاستجاب الله له وسخر له عباده من الجن ، والإنس ، والطير ، وسائر المخلوقات ، وقال الله تعالى : {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ * وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ } سورة الأنبياء :81- 82 .

وقال تعالى : {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } سورة النمل : الآية 17 ، والتفسير أي وجمع لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير ، بمعنى ركب فيهم في عظمة كبيرة ، في الإنس وكانوا هم الذين يلونه ، والجن وهم بعدهم في المنزلة ، والطير ومنزلتها فوق رأسه ، فإن كان الجو حارًا  أظلته منه بأجنحتها .

هذا الجيش العظيم الذي تنوعت أجناسه وتباينت أصنافه ، كان مع نبي الله سليمان – عليه السلام – ، من أجل نشر عبادة الله تعالى بالأرض .

قصة النمل مع سليمان عليه السلام  :
وفي يوم من الايام كان سليمان عليه السلام يمشي في الغابات ، ومعه جيشه وإذا به يقترب من وادي للنمل والجيش لم يكن يعلم أن هناك وادي للنمل .

فسمع سليمان عليه السلام ، صوت نملة تحذر قومها ، قال تعالى : {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} سورة النمل الآية 18 .

فحذرت النملة قومها ، ولكن من أعلم النملة بسليمان كيف عرفت جيش سليمان وملك سليمان ؟ فكانت الأرض كلها تعرف ملك سليمان – عليه السلام – ، لما وصل سليمان حديثها ضحك .

قال تعالى : {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} سورة النمل الآية 19 ، لكنه نسب الفضل مباشرة لله – عز وجل – ويدعوه أن يعينه على شكر هذه النعم.

قصة الهدهد في القرآن :
أخبرنا القرآن الكريم في قصصه عن قصة نبي الله سليمان عليه السلام  مع الهدهد ، ففي ذات يوم جمع سليمان عليه السلام الطيور ، في مجلسه الذي كان يجلس فيه ، نظر سليمان إلى الطيور ثم قال : {وتفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ  لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} سورة النمل الآية 20-21 .

ثم جاء الهدهد وعلم بوعيد نبي الله سليمان علية السلام له ، وكان الهدهد عذره موجودًا ، ولغيابه سبب مقنع ، يقول الله تعالى : {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ }،سورة النمل الآية 20.

ما رآه الهدهد في سبأ :
قدم الهدهد عذره لنبي الله سليمان بأنه وجد امرأة تقود جيشاً كبيراً بأرضٍ اسمها (سبأ) ، وهذه المرأة ، تملك من متاع الدنيا وزينتها ما يحتاج إليه الملك القوي ، ولها عرش “سرير” عظيم مرصع بالجواهر واللؤلؤ  الثمين ، داخل قصر عظيم ، وأنها وقومها يعبدون الشمس ويسجدون لها من دون الله تعالى .

يقول تعالى مخبرًا عن حديث الهدهد لنبي الله سليمان عليه السلام : {إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ } سورة النمل الآية 23 .

وتعجب الهدهد من عبادتهم لغير الله تعالى ، وكيف أن الشيطان أعمى قلوبهم وأبصرهم {لَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَاتُعْلِنُونَ  اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } سورة النمل الآية 24-25 .

وعندما علم سليمان – عليه السلام – ، بالخبر قال للهدهد سوف ننظر فيما تقول ونتأكد إن كنت صادقًا أم كاذبًا.

رسالة سيدنا سليمان – عليه السلام – لبلقيس :
كتب سليمان عليه السلام رسالة ليسلّمها إلى ملكة (سبأ) ، ويدعوها خلالها إلى الإيمان بالله تعالى ، وطلب من الهدهد أن يلقي الرسالة في القصر دون أن يُشْعِرَ به أحدا ً، ثم ينتظر ليرى ماذا تفعل هي وقومها .

يقول تعالى : {قالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} سورة النمل الآية 28-29.

وعندما رأت الملكة بلقيس الرسالة ونظرت فيها ، جمعت حاشيتها وأطلعتهم عليها ثم طلبت منهم أن يشيروا عليها ويرشدوها ماذا تفعل ؟ .

قال تعالى: {قالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34) } سورة النمل .

رد بلقيس على رسالة سيدنا سليمان عليه السلام :
قررت بلقيس أن ترسل إلى سيدنا سليمان بهدية ثمينة لترى رد فعله  عليه السلام ،{وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35) فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37) } [ سورة النمل ] .

وعندما جاء المرسلون بالهدية ردَّ عليهم سليمان عليه السلام ، هديتهم ، ودعاهم إلى الإسلام وعبادة الله وحده ، فذهبت بلقيس ملكة سبأ ، إلى نبي الله سليمان وكان قد طلب من جنوده أن يحضر أحدهم عرشها ليختبرها هل ستعرفه أم لا ، وأراها من الآيات والبينات ما يدل على أنه نبي من عند الله حتى تؤمن بالله – عز وجل – .

إسلام بلقيس ملكة سبأ :
أسلمت بلقيس ملكة سبأ ، على يد سليمان  عليه السلام وتزوجها ، يقول تعالى:

{ قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44) } [ سورة النمل ] .

ابتلاء سليمان – رضي الله عنه – في صحته وولده :
مرض سليمان – عليه السلام – ، مرضًا احتار في علاجه الإنس والجن ، ولم يكتب له الشفاء على أيديهم فداوم على الدعاء والاستغفار ، واستمرّ المرض وبشدّة ، ولكن هذا لم يثنه عن دعائه وتوسّله الله من أجل الشفاء ، حتى استجاب له ربه ورحمه ، فأعاد له صحّته وقوّته وملكه ؛ فهو لم ييأس من رحمة ربه.

وبعد زواجه من بلقيس وهبه الله غلاماً خاف عليه من فتنة الشيطان ، فرفعه للسحاب ، وكان هذا الفعل لا يليق به ، حيث وجب عليه التوكّل على الله والرضى بقضائه وقدره ، لكن الله عزّ وجل أرسل ملك الموت ليقبض روحه ، ورآه سليمان متوفياً على كرسيّه ، فعرف خطأه واستغفر الله كثيرًا على ذلك .

وفاة سليمان – عليه السلام – :
في نهاية حياة سيدنا  سليمان عليه السلام  تفرّغ لعبادة الله تعالى ، فأمر الجن أن يبنوا له معبدًا يتقرّب فيه لله .

وأثناء مراقبته لهم حتى لا يتقاعسوا بالعمل وهو متكئ على عصاه توفّي عليه السلام دون أن يعلم أحد بذلك ، فكانوا يظنّونه يصلّي لله ويذكره ، حتى انتهوا من البناء ، ولم يعلموا بوفاته حتى أكلت دابة الأرض عصاه ووقع على الأرض وكان ثمينًا عليه السلام ، فلما خر علم الإنس والجن وذهبوا إليه ليجده قد مات .

وكان الجن يقولون للإنس أنها يعلمون الغيب ، ولكن الله تعالى أراد بموت سيدنا سليمان أن يعلمنا أن الجن من مخلوقات الله تعالى ولا حيلة لهم في معرفة الغيب ،  وقال تعالى : {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ ۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ } سورة سبأ : الآية 14

By Lars