فلسطين دائما كانت محط أنظار الجميع ، حتى في بدايات العصر الإسلامي ، كان المسلمين مستضعفين وكانوا يتطلعون إلى المسجد الأقصى ، الذي شهد معجزة الإسراء والمعراج .
كانت معارك فتح فلسطين من أهم المعارك التي قادها سيدنا خالد بن الوليد رضي الله عنه ، فكان أولها معركة أجنادين عام 634 ميلاديا ، في منطقة بيت جبرين ، وقتل في هذه المعركة 3000 من جنود الروم ، أما المعركة الثانية معركة فحل فكانت في عام 635 ميلاديا وحدثت عند غرب نهر الأردن وجنوب منطقة بيسان .
معركة أجنادين :
بدأت المعركة بتجمع جيوش المسلمين عند أجنادين في منطقة تبعد عن بيت جبرين حوالي 11 كيلو متر ، نظم خالد بن الوليد الجيش وكان عدد الجنود حينها ثلاثون ألف جندي ، وكان جنود الروم في هذه المعركة حوالي سبعون ألف جندي .
فقسم جيش المسلمين إلى 4 فرق أحدهم على اليمين ، والأخر على اليسار وفريقي قلب ومؤخرة ، وتولى قيادة الناحية اليمنى معاذ بن جبل ، أما الناحية اليسرى فتولاها سعيد بن عامر ، أما جنود القلب فكان قائدهم أبو عبيدة الجراح ، أما عن المؤخرة فكان القائد سعيد بن زيد .
وحرص خالد بن الوليد على المرور المستمر بين قوات الجيش لرفع الهمة ، وتقوية الروح المعنوية ، وزيادة همة الجنود على القتال والصبر والثبات ، وقد أقيم مخيم للنساء خلف موقع الجيش كان دورهن الدعاء والتضرع إلى الله من أجل النصر ، وأيضا من أجل تشجيع الجنود وعلاجهم في حالة وقوع أي جرحى .
في حين كان جيش الروم مقسم على أن يكون الرجال في المقدمة ، ومن خلفهم الجنود على الخيول ، و بعد هذا اصطفت كتائب الجيش في صفوف بلغ عدد كل صف ألف جندي ، عقب صلاة الفجر في الثلاثين من يونيو عام 634 ميلاديا ، والذي يوافق السابع والعشرون من جمادي الأول في العام الثالث عشر من الهجرة ، وحدد خالد بن موعد الهجوم وخطب في جنوده محمسًا لهم .
وبدأت المعركة بعد صلاة الظهر اقتداء بالوقت الذي كان يفضله الرسول صلّ الله عليه وسلم في الخروج إلى الحروب ، حين تواجه الفريقان تعجب جيش الروم من أعداد جيش المسلمين ، و على الرغم من قوة وثبات جيش الروم إلا أن جيش المسلمين أثبت جدارة وثبات كبير .
هجم الروم على المسلمين هجمة شرسة بالنبال ، فتشاور قادة المسلمين من أجل إقناع خالد بالهجوم على الروم ، بالفعل أمر خالد بأن يهجم الفرسان ، فتقدموا مسرعين متسببين في فوضى كبيرة في صفوف جيش الروم .
على الرغم من فارق العدد بين الجيشين ، إلا أن جيش المسلمين حقق نتائج جيدة للغاية ، وقتل في هذه المعركة حوالي 3000 جندي من جيش الروم ، و450 من جيش المسلمين .
معركة اليرموك :
أما أهم معركة فهي معركة اليرموك والتي حدثت شمال الأردن عام 636 ميلاديا ، وقاد هذه المعركة أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه وخالد بن الوليد رضي الله عنه ، ويقال أن عدد قتلى هذه المعركة حوالي 130 ألف قتيل .
وقد فتحت بلاد الشام بعد هذه المعركة ، الكثير من المعارك الصغيرة سبقت المعركة الكبيرة ، وبدأت مقاومة الروم في الضعف شيئا فشيء ، وكانت الاستخبارات المسلمة في هذا الوقت تقوم بأعمالها على أكمل وجه ، وهو الشيء الذي جعل المسلمين على علم بتحركات جيش الروم كلها ، وأيضا بمعداتهم وأسلحتهم ، كذالك مخططاتهم أيضا .
كان جيش المسلمين في هذه المعركة يوجه جيشًا كبيرًا متعدد الأعراق ، فقد تضمن الجيش البيزنطي الروس والفرنجة والسلاف والروم وكذالك الإغريق والأرمن والجورجيون وبعض العرب المسيحيين ، وتوزعت هذه الجيوش على خمسة فرق متساوية ، ويقال أن عدد هذا الجيش بلغ حوالي أربعمائة ألف جندي.
في حين كان جيش المسلمين فقط أربعة وعشرون ألف جندي ، وازداد جيش المسلمين مع تقدمهم في المعارك الصغيرة ، فبدؤوا فتوحاتهم واستمروا حتى وصلوا إلى مدينة حمص ، وبعدها حلب والتي تعد أهم مناطق تمركز الجيش البيزنطي ، وموقع إقامة هرقل قائد الجيش البيزنطي ، حينها قرر هرقل أن يقوم بهجومًا مضاد من أجل استعادة أي من المناطق التي سبق وحصل عليها جيش المسلمين .
وحاول هرقل أن ينسق مجهوداته مع مجهودات يزدجرد الثالث ، ولكن كان لدى عمر بن الخطاب نظرة ثاقبة جعلته شغل يزدجرد بمفاوضات للسلام ، ودعاه إلى الدخول في الإسلام وبالتالي لم يتمكن هرقل من التنسيق مع يزدجرد على الهجوم ، وبعد 3 أشهر من المفاوضات حاول يزدرجرد ، أن يحارب جيوش المسلمين ، ولكنه خسر في معركة القادسية عام 635 ميلاديا .
بداية المعركة :
تقسم جيش المسلمين إلى أربعة مجاميع ، أحدها تحت قيادة عمرو بن العاص وتمركز في فلسطين ، والمجموعة الثانية في الأردن بقيادة شرحبيل بن حسنه ، أما الجيش الثالث في دمشق بقيادة يزيد بن أبي سفيان ، والمجموعة الرابعة بقيادة أبو عبيدة بن الجراح وتمركز في مدينة حمص ، وكان يوجد في نفس المكان خالد بن الوليد قائد جيش المسلمين .
حاول هرقل أن يستخدم تكنيك جيوش المسلمين ضدهم ، فكان يحارب المجموعات بشكل متفرق حتى يرهقها و يهزمها ومن ثم يستعيد بعض الأماكن التي حصل عليها جيش المسلمين.
وكان جهاز الاستخبارات المسلم قوي واكتشف مخطط هرقل عن طريق استجواب الأسرى الروم ، وبالتالي تشاور القادة وتقرر التالي ، أولًا أن يتم توحيد جيش المسلمين في مكان واحد فسحبت جيوش المسلمين من فلسطين وسوريا ، وتجمع الجيش كله في سهل واسع بجوار جابيا ، وتم اختيار الموقع لان مكانه يسمح بالعديد من التكتيكات ، وكذالك يُسهل وصول الإمدادات .
تولى الجيش في هذه الوقت أبو عبيدة بن الجراح فاهتم بالخيالة وجعلهم قوة احتياطية ، في نفس الوقت اهتم خالد بن الوليد بإعداد الجيش وتجهيزه على تشكيل الطابعة ، وهو تكتيك في الحروب معروف بأنه يعتمد على المشاة .
وتوزع جنود المسلمين على طول اثني عشر كيلو متر ونصف من منطقة وادي العلن ، إلى تل الجمعة ، وبالطبع كان هناك فراغات في الجيش من أجل أن يطابق الجيش صفوف البيزنطيين .
كان أبو عبيدة في منتصف الجيش ويتولى قيادة يسار الوسط ، وعلى يمين الوسط شرحبيل ابن حسنه ، أما في قيادة الجناح الأيسر كان يقوده يزيد والجناح الأيمن تحت قيادة عمرو بن العاص ، وفي الخلف يقود خالد بن الوليد الخيالة ، والرجل الثاني بعده ضرار بن الأزور .
وتسلح المسلمين بخوذ ذهبية اللون ، وتم استخدام دروع جلدية سميكة ودروع من حلقات الحديد من أجل حماية الوجه والرقبة ، وكذالك استخدمت رماح طويلة تصل طولها إلى مترين ونصف ، بينما أمسك الخيالة برماح يتجاوز طولها الخمسة أمتار .
كذالك استخدمت الأقواس الطويلة والتي بلغ ارتفاعها أكثر من مئة وخمسون مترًا واستخدمها النبالة المسلمين .
وكان الجيش البيزنطي في حالة توتر كبيرة ، وذلك لأن ما فعله خالد بن الوليد من مركزة كافة الجيوش في منطقة واحدة ، يرتبكون وأجبروا على جمع جيوشهم في مكان واحد ، بالطبع كان الأمر مختلفًا عن التقسيم السابق وهو ما جعل هناك نوع من عدم الاتزان بين الجيش البيزنطي .
وعاد خالد بن الوليد لقيادة الجيش فعمل على إعادة تنظيم الجيش المسلم ، وقسم الجيش أجزاء فجعل 10 آلاف جندي أي ما يوازي ربع الجيش المسلم من الخيالة ، بعد ذلك قسم الجيش إلى حاول أربعين كتيبة ، توزعت على أربعة فرق من المشاة .
واستمرت المعركة ستة أيام ، كان الجيش المسلم يعتمد على رد هجمات الروم ، ومن ثم العودة إلى سكنات الجيش من جديد ، أول أربعة أيام شهدت العديد من خسائر في جيش الروم ، في اليوم الخامس رفض خالد بن الوليد الهدنة التي عرضها الروم .
في اليوم الثالث تحول دفاع المسلمين إلى هجوم ، وقد اعتمد على خطة المفاجأة تعتمد على الفرسان وسرعتهم وبالتالي نجح المسلمين في الفوز بالمعركة .
وعقب انتهاء المعركة لاحق خالد بن الوليد باقي الجنود المنسحبين من الجيش البيزنطي ، فتح بن الوليد دمشق وسط ترحيب من أهلها ، وبدأ يتوسع حتى ضم بلاد الشام كلها تحت راية الإسلام .
مدينة القدس :
وآتى عمر بن الخطاب بنفسه ليتسلم مفاتيح مدينة القدس ، وكانت أول مدينة يتسلم مفاتيحها الخليفة بنفسه ، ويقال أن سيدنا عمر رفض دخول القدس بخيول الحرب ، ورفض أن يرافقه أي من الجنود ،دخل عمر القدس على ناقة وفقط زاد الطريق من ماء وخبز وتمر .
يقال أن هناك كتاب يوناني عبارة عن مخطوطات عن دير المصابة ، وقد ذُكر في أحد المخطوطات مجيء عمر إلى القدس وهو يتسلم مفاتيح بيت المقدس ، وقد أرفق مع النص رسم لعمر رضي الله عنه ، وقد رسم في ثياب تشبه ثياب أهل الجزيرة العربية ، لديه لحية ويدخل إلى القدس من دمشق تحديدًا من باب العمود .
كما أن وصفه له مهابة ووقار ، ويدخل إلى القدس مشيًا على قدميه ، في تواضع وهو يمسك مقود الرحلة بيده اليسرى ، ويركب على الدابة غلام ، يمسك بعصا ويرفعها في وجه أهل القدس ، ويستغرب من أن يسجد أهل القدس لمولاه ، ويصيح فيهم أن ارفعوا رؤوسكم ، فلا سجود إلا لله .
بالفعل حين وصل عمر ذهب رئيس الأساقفة البطريرك صفر يانوس إليه ومعه مفاتيح المدينة ، سلم على عمر وطلب منه أن يفعل ثلاثة أشياء حتى يتوافق مع ما أتى في شروح الإنجيل ، أن يمشي ويدع خادمه يركب الناقة ، وأن تكون كلتا قدميه ممرغتين في الوحل وأن يكون ثوبه به رقع .
ولم يحزن البطريرك من تسلم عمر مفاتيح المدينة ، وقال أنه لم يحزن لأن المسلمين دخلوا غزاة إلى القدس ، وأن الأيام دول وسوف تسترد القدس من جديد يومًا ما ، ولكن المسلمين تملكوا القدس إلى الأبد بعقيدة الإسلام وحكم الإسلام و أخلاق الإسلام .