ذكر الله – سبحانه وتعالى – في القرآن الكريم قصصًا لعددٍ من أنبيائه ورسله وقد كان في هذه القصص العبر والآيات للذين يتفكرون ، كما كان في ذكرها تسليةً لقلب النّبي محمّد  صلّ الله عليه وسلم ، حينما كان يتعرّض للأذى من قبل كفّار قريش .

ومن بين هذه القصص القرآنيّة قصّة لواحدٍ من أولي العزم من الرّسل وهو نبي الله موسى  عليه السّلام .

نسبُ موسى – عليه السلام – :
يرجع نسب موسى – عليه السّلام – إلى سيّدنا يعقوب بن إسحق بن إبراهيم – عليهم السّلام – ، وقد كان بنو إسرائيل يقيمون في مصر منذ عهد يوسف – عليه السّلام – ، حينما كانت له السّلطة في مصر عند ملكها .

وقد كانوا يعاملون معاملة حسنة ، حتّى أتى عهد الفراعنة المتسلّطين يقال أنهم الهكسوس ، وقيل أنّ أحدهم رأى في منامه كأنّما طوفان يقبل من بيت المقدس ، فيأتي على بيوت القبط ويترك بيوت بني إسرائيل ، وقد استشار الفرعون حاشيته في هذا الحلم فبيّنوا له قرب خروج نبي من بني إسرائيل يكون هلاكه على يديه .

فسنّ الفرعون بعدها قانونًا ، يقضي بقتل كلّ مولودٍ من بني إسرائيل ، ثمّ خفّف الأمر بأن يكون القتل عامًا بعد عام  .

اسمه كاملًا :
هو موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم عليهم السّلام جميعًا ، فهو يرجع في نسبه إلى إبراهيم عليه السّلام ، واسم أمّه يوخابد ، أيارخا ، وقيل أياذخت ، وقيل يوحاند ، وقيل بادونا ، أما اسم امرأته فهو صفورا بنت شعيب عليه السّلام .

مولد موسى عليه السلام  :
ولد موسى عليه السّلام في مصر ، وكان ذلك بعد ولادة إبراهيم بأربعمائة وخمس وعشرين سنةً ، أي ما يُقارب عام 1526م .

وقد كانت ولادته في الفترة التي أصدر فيها فرعون ، قرارًا بقتل كلّ من يُولَد لبني إسرائيل من الذكور ؛ خوفاً من ضياع ملكه بناءً على الرّؤيا التي رآها حينها ، وقد تربّى عليه السّلام في قصر فرعون ، ونشأ في أحضانه ، حتى كلَّفه الله بالنبوّة وأمره بالرّسالة .

أما عن نجاته من القتل في تلك الفترة فكان أنّ الله سبحانه وتعالى ، قد ألهم أمّ مُوسى أن ترضعه ثم تُلقيه في النيل ، فجرى به النّيل إلى أن وصل إلى قصر فرعون ، فوقع في يد زوجته وكانت عاقرًا .

فطلبت من فرعون أن يُبقي عليه وأن يجعلوه ابنًا لهما ، قال تعالى : { وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ*فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ۗ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ } سورة  القصص الآيات 8-9 .

فأطاعها فرعون ، ومكث موسى عليه السلام ، في قصره وترّبى عنده حتى أصبح يُنادَى بابن فرعون ، وكان أن حرَّم الله عليه المراضع ، فلم يقبل أيّ امرأة ، فبدأ فرعون وزوجته يبحثون عن امرأة يقبلها موسى ، إلى أن انتهوا إلى أمّه ، فردّه الله تعالى إليها .

قصة موسى مع الخضر :
ورد في سورة الكهف قصة لسيدنا موسى مع العبد الصالح الذي يلقب بالخضر .

وذات يوم ، كان سيدنا موسى عليه السلام ، خطيبًا في بني إسرائيل مذكرًا لهم بأيام الله فسأل : أي الناس أعلم ؟ .

قال : أنا ، فعاتبه الله تعالى على ذلك وأوحى إليه أن له عبدًا بمجمع البحرين في عدن ، فقال موسى : يا رب ، كيف يكون لي به .
فقال : تأخذ معك حوتًا فتجعله في مكتل ، وحيث فقدت الحوت فهو هناك فانطلق مع فتى حتى إذا أتيا بصخرة ونامًا ، فعاد الحوت حياً ، وسقط في البحر متخذًا سربًا ، وأمسك الله عن الحوت جرية الماء .

و في اليوم التالي ، تابع موسى السير مع فتاه ، حتى إذا تبعًا ، قال آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا تعبًا ونصبًا ، ولما هم أن يقدم الفتى الغداء ، تذكر ما كان من أمر الحوت وأنه قد تسرب إلى الماء ، وكان البحر للحوت سربًا ولموسى وفتاه عجبًا .

فعادا إلى مكان الصخرة فوجدا رجلاً مغطىً بالثياب ، وسلم عليه موسى ، وقال له الخضر : وإني بأرضك السلام .
ثم قال  : أنا موسى من بني إسرائيل ، أتيتك لتعلمني ما علمت رشدًا ، فأجابه بأنه لن يستطيع الصبر عليه ، وقال له : يا موسى ، إنني على علم من الله عملني أياه لا تعلمه أنت وأنت على علم الله لا أعلمه أنا .

أظهر له موسى بعد ذلك استعدادًا لالتزام الطاعة والصبر ، وشرط عليه الخضر أن لا يسأله عن شيءٍ حتى يخبره به .

فانطلق الاثنان يمشيان على ساحل البحر ، فمرت سفينة فحملوهما بغير أجر لمعرفتهم الخضر ، وتفاجأ موسى بخلع الخضر لوحة من السفينة بالقدوم ، فاعترض موسى بأنه عرض السفينة للغرق ، فقام الخضر بتذكيره بالعهد ، بأن لا يسأله شيئًا فهو سوف يعلمه بكل شيء في النهاية ، اعتذر له موسى عما بدر منه من نسيان ، وجاء عصفور على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة .

فقال له الخضر : ما علمني وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقض هذا العصفور من هذا البحر ، وخرج موسى والخضر من السفينة ومشيا على الساحل فوجد الخضر غلامًا يلعب مع الغلمان فقتله ، فتعجب موسى من ذلك وأنكر فعلته إنكارًا شديدًا ، فعاد الخضر وذكره بالعهد و اعتذر منه موسى مرة أخرى .

انطلق الاثنان واستكملا مسيرتهما إلى أن أتيا قرية ، فأبوا ضيافتهما ووجدا جدارًا آيلًا إلى السقوط فأقامه الخضر .
فقال له موسى : لو طلبت أجرًا على عملك هذا ، فقرر الخضر مفارقته لأنه لم يستطيع أن يصبر معه ، ثم أخبره عن أسباب الحوادث الثلاث .

فقال له عندما قمت بخرق السفينة فقد كان ذلك إنقاذًا لها من غضب ملك ظالم يغتصب كل سفينة صالحة جيدة ، فكان في ظاهر عملي الفساد رغم أن في باطنه الرحمة .

و أما قتل الغلام فقد كان حفظًا لدين والديه الصالحين من انحرافه وكفره وطغيانه ، خشية من ميلهما إليه بدافع حب الابن ، وأن الله سيعوضهما خيرًا منه .

أما عن إعادة بناء الجدار ، فأردت أن أحافظ في ذلك على كنز ليتيمين صغيرين ، من أب صالح و أصل كريم ، ليستخرجاه عندما يبلغا أشدهما ومن ثم أعلن الخضر لموسى أنه لم يفعل ذلك بعلمه ولا برأيه ، وإنما كان ذلك بعلم الله و إلهامه .

By Lars