قص الله تعالى على أمة محمد صلّ الله عليه وسلم ، قصص كثيرة تسرد أحوال الأمم السابقة ، وما فعله الأنبياء معهم ، ولعل من أكثر القصص التي سردت قصص بنو إسرائيل الذين أرسل الله فيهم أكثر من نبي ؛ ليهديهم كلما ابتعدوا عن صراطه المستقيم ، فنزل فيهم موسى عليه السلام وأخيه هارون ومن بعدهم صموئيل وداود وسليمان عليهم جميعا السلام ، وغيرهم من الأنبياء الداعيين إلى إعلاء كلمة الله .
بداية القصة :
كان الأنبياء في عهد بني إسرائيل يأتون من نسل ، والملوك من نسل أخر ، فكان الأنبياء من نسل لاوي بن يعقوب ، والملوك من نسل يهودا ، ولما دارت الأيام انقطع نسل لاوي ولم يبقى منهم إلا رجلاً واحدًا تزوج امرأة حملت منه ثم مات ، فخاف بني إسرائيل على مولدوها ، وتمنوا أن يكون المولود ذكراً .
ولادة صمؤئيل :
فحبسوها وأطعموها وسقوها حتى تلد ، ولا يحدث لها مكروه ، وبالفعل وضعت شموئيل (صموئيل) ، وقد كان هو النبي المنتظر ، ولما اشتدت ببني إسرائيل الحروب والمقاتل ، وسلب منهم التابوت ؛ الذي كانوا يستنصرون به ؛ لما فيه من التوراة وألواح موسى وأثار هارون.
ملك طالوت :
ذهبوا إلى نبيهم يدعو الله أن يرسل لهم ملكًا يحاربون معه في سبيل الله ، فأختار لهم طالوت ملكًا ، وقد كان رجلا بسيط الحال من نسل ببنيامين أخو يوسف عليه السلام ، فلم يرتضى بني إسرائيل ، لأنه ليس من نسلهم ، وقالوا يهودا نسل الملوك ، أما طالوت فليس منا ، كيف نوليه علينا ملكًا ونحن أفضل منه .
فهو دباغ للجلود ولا يملك من المال ما يغنيه ، فقال لهم نبي الله شموئيل : أن الله اصطفاه عليكم ، وزاده بسطة في العلم والجسم ، والله يعطى الملك لمن يشاء ، وإذا كنتم تريدون دليل على ملكه ، فسينزل الله عليكم التابوت الذي سبق وسلب منكم ، وبالفعل أنزل الله ملائكته يحملون التابوت ؛ فاقتنع بنو إسرائيل .
إختبار من الله :
خرج بنو إسرائيل للقتال في ثمانية ألف جندي ، بتقدمهم ملكهم طالوت لمحاربة جالوت الظالم ، وكان في جيشه غلام صغير يدعي داوود ، وهو نفسه نبي الله داود عليه السلام أرسله والده معهم ؛ ليأتي له بأخبار إخوته في جيش طالوت .
وظل جيش طالوت يسير في طريقه لملاقاة جالوت ، وقد كان يعلم أن بين رجاله المنافقون وضعفاء الإيمان ، فأراد أن يختبرهم ، فلما اقترب من نهر يسرى أمامهم قال لهم : يا بنو إسرائيل إن الله يمنعكم أن تقتربوا من هذا النهر .
فقط هي غرفة واحده تشربونها ، وهذا اختبار من ربكم ، ولكن بني إسرائيل لا عهد لهم ، نهلوا من النهر وملؤا أجوافهم ، ولم يلتزم بكلام الله سوى أربعة ألاف رجل من الثمانين شربوا قليلا من النهر .
قلة مؤمنة ونصر قريب :
مشى طالوت بقلته المؤمنة ليواجه أعظم جيش في هذا الزمان ، جيش جالوت الكافر الذي كان كثير العدة والعتاد ، فلما رأوه رجال طالوت قال أغلبهم لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده ، فرد عليهم القلة المؤمنة وقد كان عددهم لا يتجاوز الثلاثمائة إلا بقليل : كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ، والله مع الصابرين .
ولما بدأت المعركة والتحم الصفان دعا رجال طالوت المؤمنون ربهم أن ينصرهم ويثبت أقدامهم على القوم الكافرين ، فبرز جالوت أمامهم يدعي أحدهم لمبارزته ، وقد كان رجال مهابا ضخم الجثة ، قوي البنية ، فقال طالوت لرجاله من يبارزه ، فلم يجيبه أحد .
داود يقتل جالوت :
فقال من يبارزه وأعطيه ابنتي زوجة له ، وأمنحه نصف ملكي ، فتقدم الفتى داود ، وقد كان متمرسًا على استخدام المقلاع ، فلما خرج ورأوا جالوت سخر ومنه وقال له : ماذا جئت تفعل يا فتى !
فقال داود لأبارزك ، فقال له : أنا لا أحب قتلك ، فرد عليه نبي الله داود عليه السلام ، ولكني أحب قتلك ، وأخرج مقلاعه وصوبه من بعيد فأصابه في جبهته فخر صريعًا على الأرض ، وانهزمت جيوشه بكثرتها ، بفضل نصرة الله وفتحه ، وأصبح لداود بعد ذلك شأن عظيم ، وأحبته إسرائيل كلها ، إلى أن بعثه الله فيهم نبياً .