في السنة التاسعة من مسيرة الجهاد العظيم ماتت السيدة خديجة رضي الله عنها ، فاشتد حزن النبي صلّ الله عليه وسلم على زوجه ، ماتت خديجة ، ولكن عطاء المرأة للنبوة لم يمت ولم ينقطع ، فقد خلفتها في رعاية النبي صلّ الله عليه وسلم ، وتأييده وتثبيته وتدبير شئونه امرأة لم تكن دونها رأيًا ولا عطفًا ولا عقلًا ولا جاهًا ولا منصبًا وتلك هي فاطمة .
النسب :
يقول الإمام الذهبي في ترجمته لها : فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي ، كانت زوجة عمه أبي طالب بن عبد المطلب عم النبي صلّ الله عليه وسلم ، وهي أم أمير المؤمنين على بن أبي طالب قائد المسلمين ، وصهر النبي صلّ الله عليه وسلم ، فكانت حماة السيدة فاطمة رضي الله عنها ، وكانت من المهاجرين الأوائل وهي أول هاشمية ولدت هاشمي .
حياة السيدة فاطمة قبل وبعد الهجرة :
لم تكن فاطمة رضي الله عنها خلفًا من خديجة رضي الله عنها فحسب ، بل كانت خلفًا من أبي طالب في الذود عن النبي صلّ الله عليه وسلم والانتصار له .
وهي أول من بايع النبي بعد نزول الآيات الكريمة وهي {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ۙ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } .
ولم يزل ذلك شأنها حتى هاجر الرسول صلّ الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة ، فتبعته في هجرته ، فكان بيتها في المدينة ، كما كان في مكة مآبًا طيبًا ، ومقيلًا كريمًا ، ويقول ابن سعد : كانت امرأة صالحة ، وكان النبي يزورها ، ويقيم في بيتها .
ويقول ابن حجر أنها توفيت قبل الهجرة والصحيح أنها هاجرت ، وماتت بالمدينة ، وبه جزم الشعبي قال : أسلمت وهاجرت وتوفيت بالمدينة .
ولمسة الوفاء التي ينبغي ألا نتخلى عنها تتجلى فيما أخرجه ابن عاصم من طريق عبد الله بن محمد بن عمر بن على بن أبي طالب ، عن أبيه : ” أن النبي صلّ الله عليه وسلم كفَّن فاطمة بنت أسد ف قميصه “، وقال : (لم نلق بعد أبي طالب أبرَّ بي منها) .
إن الرسول صلّ الله عليه وسلم لم ينس لها برها به ولا برها بزوجة ابنها علي : فاطمة الزهراء بنت الرسول صلّ الله عليه وسلم ، قال الأعمش ، عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن علي : قلت لأمي : اكفي فاطمة سِقاية الماء والذهاب في الحاجة ، وتكفيك الطحن والعجن !!
لقد كانت ذات صلاح ودين ، وعاشت في خدمة الدعوة الوليدة وتأييدها ، روت عن النبي 46 حديثًا ، وفي الصحيحين لها حديث واحد متفق عليه ، فلا عجب إذا ما رأيت النبي صلّ الله عليه وسلم يحترمها احترامًا عظيمًا ، ويزورها ، ويقيل في بيتها .
وكما كانت فاطمة نموذجًا في نصرة الله ، وتأييد رسوله منقطعة القرين ، كذلك كان الرسول صلّ الله عليه وسلم لها يوم لحقت بربها فبد أن كفنها في ثوبه ، ونزل في قبرها ، واضطجع فيه فكان حقًا على القبر أن يشرق بنور الله ، ويفيض برحمته .
وفاتها :
توفيت فاطمة عن عمر يناهز الستين عامًا وكان ذلك في السنة الرابعة للهجرة وقد دفنها النبي صلّ الله عليه وسلم في المدينة المنورة .