أن تولد يتيمًا لا تعرف أهلاً أو أقارب ولا يعرف عنك أحدهم شيئًا ، مواطنًا مثلك مثل غيرك ، لا يكترث أحدهم لأمرك من الأساس ، ومطلوب منك أن تواجه الحياة بكل ما فيها من قسوة وحدك أيضًا ، فهي معركتك إن شئت أم أبيت ، ولكن أن يحدث معك كل ما يمكن أن تسميه خوارق وما ورائيات فلا يمكنك تخيل أن أحدهم سوف يصدقك ، فتؤثر الصمت إلى أن تجد من يحنو عليك ويستمع لك ، دون أن يعتقد بأنك تخلق عالمًا زائفًا ، في خيالك فقط لا غير .
جلست هند وحدها بالغرفة ، كما اعتادت كل يوم ، وهي تتطلع إلى تلك المرآة الكبيرة ، التي أحضرتها الدار لهم ، نعم فهند طفلة تعيش في دار للأيتام ، مع مجموعة من الفتيات الأخريات ، وفجأة في أحد الأيام ، اشترت الدار مرآة من أحد المزادات العلنية ، بسعر زهيد ثم حملوها ليضعوها في الممر بين غرف الفتيات .
وكانت هند ترتاب من تلك المرآة بشدة ، فطالما لمحت خلف هذا الانعكاس المشع منها ، ملامح غريبة ، لمخلوق لا تدر ما هو ، وإنما كانت تراه يحدّق بها طويلاً ، وفي هذا اليوم جلست الفتاة تنظر على تلك الملامح ، محاولة أن تتبين من هذا الذي يقف خلف المرآة ، وفجأة اتضحت ملامحه مرة واحدة ، لتصرخ الفتاة وتحتضنها الممرضة المتواجدة داخل الدار ، وتحمل الفتاة بعيدًا .
لطالما جلست هند محاولة أن ترى ملامحها في المرآة ، إلا أنها لم تنجح في ذلك أبدًا ، فمن يصدق أن تلك اليتيمة التي لا تدري لنفسها اسمًا واضحًا ، أنها ترى مخلوق بشع في المرآة ، يحدق بها طويلاً مثل الدمى ، كان رجلاً أشيب الشعر ، وله فم تمت خياطته حتى ينغلق تمامًا ، وعيناه سوداوان بلا بياض فيهما وجه مرعب بكل المقاييس ، ولا يمكن للفتاة كلما نظرت لمرآة أو سطح عاكس أن ترى نفسها ، هي لا ترى سواه ولا تدر من هذا ، الذي يتجسد لها بشكل دائم .
ظلت هند بالدار حتى بلغت العشرين عامًا ، ثم فجأة وجدت نفسها بلا مأوى ويجب عليها أن تغادر الدار ، بحجة أنها قد صارت شابة يافعة والملجأ يستقبل الأطفال فقط ، ظلت الفتاة تصرخ دون جدوى ، إلى أن قابلتها لا مديرة وسألت عما بها ، فأجابتها العاملات بالدار بأنها لديهم منذ أن كانت رضيعة ، ولم يتم تبنيها نظرًا لمعاناتها من خلل عقلي ، إلا أن هند حاولت أن تثبت أنها بصحة عقلية جيدة ، ولكن دون جدوى ، ومع صراخها اضطرت المديرة لإيداعها ، بمصحة عقلي .
استيقظت هند لتجد نفسها أمام أحد الأطباء ، يكتب ما تمليه عليه إحدى الممرضات ، وتحدث معها أنه سوف يبدأ علاجها على الفور ، مضت الأيام وبدأت هند في محاولة البحث عن حقيقة ما تراه بالمرآة ، حتى أتاها رجلاً أشيب الشعر ، وأخبرها أنه ولدها ، وقص عليها ما حدث ، فقد كانت جدة هند ساحرة شهيرة .
وطلب والدها منها أن تزوجه بفتاة أحبها من كل قلبه ، وكانت ذات حسب ونسب ، ولكن للأسف اضطر الأب إلى أن يلقي ابنته بالدار ، بعد أن اكتشفت أنها ليست ابنته من صلبه ، وأن زوجته الجميلة قد خدعته ، فاضطر الأب أن يلعن زوجته ، عن طريق خدام الساحرة ، فقامت الأخيرة بحبس روح الفتاة في المرآة ، وكانت تنظر إلى ابنتها من خلف المرآة طوال تلك الأعوام ، وظلت هي وانتما للأسف حبيستان للمرايا ، إلى الأبد .