بعض الأرواح تسكن الأماكن ، خاصة تلك التي فارقت فيها الحياة ، لتتحول إلى مصدر فزع ورهبة إلى الأحياء من بعده ، حينما يقوم الشبح بافتعال بعض الحركة ، أو تحريك بعض الأشياء بطريقة مباغتة ، ولعل شبح هذا الغلام كان مفزعًا بشدة للبعض .
يقول الراوي جاءنا شقيق أمي إلى المنزل ، والحزن يكسو وجهه الغاضب في تعبيرات متناقضة بشدة ، وكان في هذا الوقت لديه أحد المخازن القريبة من منزلنا ، فدعته أمي لتناول الغداء معنا ، عقب انتهاء عمله .
ولكن هذا المظهر الذي بدا على ملامحه ، هالنا بمجرد رؤيته وبسؤاله ، أجاب أنه وأثناء قيامه ، بإنزال بعض البضائع من عربة يجرها الخيل ، أمام مخزنه فإذا بغلام يسوق عربة مجاورة ، من النوع الذي يجره الخيل أيضًا ، وقد سقط أرضًا فجأة ، لتدهسه سيارة أخرى ذات العجل الكبير ، وتعرف باسم المقطورة وكانت مارة في هذا الوقت ، وعبر أمامها الفتى دون أن يراها جيدًا ، فانزلق أسفل العجل ليموت الغلام ، أمام أنظار كافة البائعين بالمنطقة .
فجعتنا الحادثة وشعرنا بالضيق الشديد ، وكان خالي يرغب في الانصراف مسرعًا ، إلا أنت ولدي شدد عليه بالبقاء لدينا تلك الليلة ، وفي الصباح الباكر يذهب وينقل لبضائع إلى مخزنه ، ليكون الحادث قد انمحى ، عن ذاكرة شيئًا ما وحتى لا تتعطل أعماله التجارية .
بالفعل مكث خالي لدينا في تلك الليلة ، ولكن ما لبثت الأحداث والغرائب المفزعة أن بدأت ، فعند منتصف الليل تحديدًا كانت جدتي ، والتي تمكث بالطابق الأرضي من نفس المنزل ، تجلس إلى جوار النافذة ، وفجأة رأيناها تركض مسرعة وهي تصرخ فزعة ، بأن هناك عربة تجرها الخيول تمضي في الشارع ، بدون أي سائق لها ، ويلحق بها أكثر من عشرين كلبًا نابحًا ، هنا ربطنا جميعًا بين ما روته جدتي وهذا الحادث الذي وقع اليوم ، لا ندري كيف أو لماذا ولكننا نظرنا جميعًا إلى بعضنا لبعض ، نظرة ذات مغزى بأن روح الغلام غير هادئة .
مرت الساعة التالية ببطء بعد أن هدئنا من روع جدتي ، ولكننا سمعنا نباح متواصل لكلاب كثيرة فجأة في الشارع ، فنظرت أسفل نافذتي لأرى كلبًا ، مرفوعًا في الهواء من قدميه ، ويدور حول نفسه وكأن هناك ، من يحمله من قدميه ويدور به حول نفسه ، ولكن الكلب كان مرفوعًا وحده ، وتلتف حوله الكلاب وتنبح بعنف ، وكأنهم يرون من يرفع الكلب ويرغبون في مهاجمته ، أو أنهم خائفون منه.
لم تهدأ الأحداث عند هذا الحد فقط ، بل تطورت إلى أحداث فيلم رعب حقيقي ، ففي الثالثة ليلاً فوجئت بوابل من الصخور والرمال ، تقذف نحو نافذة غرفتي ، دون أن نرى أحدًا يقذفها وكنا بمجرد أن نفتح النافذة ، يتوقف هذا الوابل الملقى علينا ، ولا نجد أحدًا بالخارج ، واستمر الأمر ثلاثة أيام ، ما كنا نرى فيها سوى بقايا الرمال والصخور .
فكر الراوي قليلاً وقرر أن يحاول التواصل مع هذا الشبح ، والذي يبدو أنه شبح الغلام بالفعل ، نظرًا لتلك التصرفات الطفولية ، لذلك قمت وقررت أن أتحدث معه ، فذهبت نحو نافذة غرفتي واقتربت منها ، وقلت بصوت مسموع لماذا لا نصبح أصدقاء ، فجاءني الرد سريعًا على هيئة كف صغيرة ، ارتسمت على زجاج النافذة ، وتلوح بشكل متواصل فعلته بشدة وركعت نحو والدي ، وأخبرته بما حدث كله ، وسرعان ما انتشر الخبر في عائلتنا وصار شباب العائلة يأتوننا تباعًا ليشاهدوا تلك الظواهر الغريبة في منزلنا .
وقد أقسم ابن خالي عندما قضى ليلته لدينا ، أنه قد رأى حوافر حمار تدق غرفة النافذة ، لتتوالى الأحداث وبدأنا نجد أمتعتنا تلقى بالشارع ، حتى قمنا بحزم أمتعتنا ورحلنا من المنزل ، عقب أن سكنته روح الغلام وبعض الأشباح الأخرى .