الارتباط والترابط الروحي والنفسي ببعض ذوينا من الآباء والأمهات وحتى الأبناء ، قد يثير الانتباه في بعض الأحيان ، ليس لأنه ترابطًا في غير موضعه وإنما لأنه ترابطًا قد يصل حد الوفاة في نفس اللحظة التي نعلم بها بوفاة الأقرب إلينا ، ومن لم تحن ساعته في هذا الوقت ، نراه يعيش على قيد الحياة وهو شبه ميت لا يدري ما يفعل دون أحبائه ، ولكن هل تتوقع أن يصل الأمر بأنك قد تحتجز روح من مات داخل منزلك لمجرد أن تشتاق له ؟
يقول الراوي ويُدعى حسن ، أنه منذ صغره وقد اعتاد على التآلف والتقارب مع جيرانه في المنطقة التي يعيش بها ، وكان يعيش حسن في كنف والدته بعد وفاة والده ، فلم يبق سواهما معًا تسهر على راحته ولا يتأخر عنها كثيرًا خارج المنزل .
ويروي حسن بأن والدته كانت تتواصل مع صديقتها وجارتها المسنة أم رجاء ، كانت تُدعى بهذا الاسم نسبة لابنتها الوحيدة ، لم يرها حسن طوال عمره ولكنه كان يسمع عنها من روايات والدتها عنها ، فهي كانت متزوجة وتعيش بمحافظة بعيدة تفصلها عن والدتها ، التي كانت تتلق خطاباتها أولاً بأول فتطمئن عليها .
سارت الحياة بشكلٍ هادئ حتى أتى ذلك اليوم ، عندما هاتف أم رجاء أحد الأشخاص وأبلغها بوفاة ابنتها الوحيدة ، بالطبع جُنّت السيدة وظلت تبكي وتهذي طويلاً ، وأمه تواسيها ولا تملك ما تفعله لها حقًا ، وما أن استفاقت أم رجاء من صدمتها حتى حزمت أمتعتها وذهبت إلى محطة القطار في طريقها لرؤية ابنتها .
ولكن نظرًا للمسافة البعيدة وصلت أم رجاء لمنزل ابنتها ليلاً ، وكانت قد تم تغسيلها ومن ثم دفنها ، صرخت السيدة وبكت كثيرًا وسط شفقة من حولها ، قائلين لها أن إكرام المتوفى دفنه ولم يكن يجب عليهم أن يبقوها هكذا حتى تصل الأم ، فظلت السيدة تبكي وتنتحب قائلة أنها كانت تود رؤية ابنتها لآخر مرة.
لم يكن هناك ما يمكن أن تفعله أم رجاء ، فطلبت قبل أن تعود لمنزلها أن تأخذ أثرًا لابنتها ، وتشم به رائحتها وكان اختيارها عجيبًا ، فقد طلبت أم رجاء أن تحمل معها البطانية التي تم لف ابنتها بها عقب الغُسل وقبل الدفن ! وبالفعل تم لها ما أرادت وحصلت على البطانية الخاصة بغُسل ابنتها ، وعادت إلى منزلها مرة أخرى وهي تلتحف البطانية وتحتضنها بشغف.
يقول الراوي ، مرّت عدة أيام قبل أن تعاود أم رجاء جلستها مع والدتي كما اعتادتا ، وما أن ذهبت السيدة أم رجاء لتجلس مع والدتي حتى حدّثتها بشأن البطانية قائلة لوالدتي بخوف ملحوظ ، أنها لا تلتحف البطانية كما يتصور البعض ولكنها هي من تلتصق بها ! نعم ، فقد كانت تنام ليلاً دون أن تضعها بجوارها فتستيقظ وقد وجدت نفسها مغطاة بها ! وليس هذا فحسب أقسمت السيدة أنها وأثناء تقلّبها بفراشها قد رأت البطانية تتحرك من تلقاء نفسها ، ليتم وضعها فوق جسد الأم المكلومة دون أن يحركها أحدهم.
بالطبع ارتعبت والدتي مما سمعت ، ولكنها أرجعت الأمر إلى صدمة السيدة في فقد ابنتها الوحيدة ، ولكن في أحد الأيام ظلت السيدة رجاء جالسة مع والدتي عقب اتصال أبلغتها به أنني مضطر للمبيت بالعمل ، وهنا تطوعت السيدة أم رجاء في أن تبيت مع والدتي تلك الليلة.
لم تكن ليلة يسيرة على والدتي كما روت لي ، فعندما عدت من العمل في اليوم التالي وجدت أمي شاحبة الوجه وترتعد بخوف ، وبسؤالها عما ألمّ بها ، أجابتني وهي ترتعد بأن البطانية حية!
نعم ، ففي الليلة السابقة وعندما خلدت السيدة أم رجاء للنوم ، لحقتها أمي لتنام على الفراش المجاور لها ، وفي منتصف الليل شعرت أمي بدفء غريب في الغرفة ، وصارت درجة حرارة الغرفة بعض الشيء ، فنهضت أمي برأسها لتنظر إلى النافذة إن كانت مفتوحة أم مغلقة ، ولكن هالها ما رأت ، فقد كان هناك ظلاً يقف إلى جوار السيدة أم رجاء ويغطيها بالبطانية جيدًا ، كيانُ لا ملامح له .
وهنا ارتعدت أمي وظلت تتذكر أي شيء من القرآن ولكنها ، فقدت ذاكرتها في تلك اللحظة ، وحاولت أن تنهض من مكانها لتركض ولكنها لم تستطيع فقد كانت أطرافها مكبّلة بالفراش ، ظلت أمي تجاهد نفسها حتى استطاعت أن تقل يارب ، وما أن قالتها مرة حتى أعادتها مرارًا وتكرارًا ، فالتفت إليها الكيان بغضب ثم اختفى فجأة ، كل ذلك والسيدة أم رجاء غافية بعمق شديد.
في اليوم التالي ، صعدت أم رجاء إلى منزلها ولم تتحدث معها والدتي فيما حدث ، وروت لي برعب وخوف شديد ما حدث ، طمأنتها واعدًا إياها ألا أتركها بالمنزل وحدها مرة أخرى ، في هذا اليوم ، جاءت أم رجاء ليلاً وهي سعيدة للغاية ، وبسؤالها قالت أم ابنتها رجاء قد زارتها بالحلم وأبلغتها أنهما ستلقيان قريبًا .
فربما سوف تموت وتلحق بابنتها الحبيبة ، وأنها لن تأتي إليهم مرة أخرى فقد أزعجت أمي ابنتها ليلة أمس ! هنا ارتعبت أمي عندما أدركت أن هذا الكيان كان لابنة السيدة جارتنا ، بالفعل مضت أيام عدة لم تأت فيها السيدة أم رجاء إلينا .
فنبهتني والدتي بالسؤال عنها ، ولكني فشلت في أن أجد مَن يعلم عنها شيئًا ، هنا اضطررت مع بعض الجيران من سكان العمارة بأن نقتحم شقتها ، وكما توقعت وجدنا السيدة أم رجاء وقد توفت على فراشها منذ أيام وقد بدأت الجثة في التعفن قليلاً ، ولكن ما لفت نظري هو أنها كانت تلتحف البطانية وكأن هناك من قام بتكفينها داخلها .