وقعت الكثير من الأحداث حول العالم في ظروف غريبة ، مما جعل العديد منها يحتسب على سبيل الخرافات وتتناقلها الأجيال بوصفها روايات للأجداد فقط هدفها إثارة الرعب في نفوس الصغار ممن لا يستمعون إلى نصائح والديهم ، ولكن هناك بعض الروايات والقصص التي تحولت فيما بعد إلى أساطير شعبية متعلقة ببعض البلدان حول العالم ، على سبيل المثال قصة مصاص الدماء.
بالذهاب إلى انجلترا وتحديدًا في مقاطعة كمبريا أو كمبيرلاند في الشمال ، إبان القرن التاسع عشر ، وقعت أحداث قصتنا ، حيث يوجد منزل آل فيشر في مقاطعة ريفية تدعى كروجلين غرانج ، وكانت المنازل آنذاك تمتلكها العائلات بالوراثة وتسلمها جيلاً بعد جيل ، وكان منزل آل فيشر واحدًا من تلك المنازل البسيطة للغاية والذي ورثوه عن أجدادهم ، حيث يتكون المنزل من طابق واحد ، ويقع بالقرب من كنيسة قديمة مهجورة منذ سنوات عدة ، وإلى جوارها مقبرة قديمة ويطل جميعهم على أرض واسعة ، فالمنازل الريفية كانت متباعدة عن بعضها في هذا الوقت.
وبمرور الوقت تحسنت الأمور المادية لآل فيشر ، فقرروا ترك المنزل ثم بيعه لمن يرغب ومغادرة المنطقة ، وبالفعل شحذ أفراد العائلة همتهم وجمعوا كل ما يملكون ورحلوا ، ثم بحلول فصل الصيف كان المنزل قد تم بيعه لعائلة أخرى تدعى عائلة كرانسول .
عائلة كرانسول :
تتكون عائلة كرانسول من شقيقين هما إدوارد ومايكل ، بالإضافة إلى شقيقتهما إميليا ، كان ثلاثتهم لطيفي المعشر ويتمتعون بروح محببة ومرحة ، وسرعان ما اعتاد الجميع بالقرية على وجودهم وكونوا معهم صداقات كثيرة .
وفي أحد الأيام الصيفية الحارة ، ذهب الأشقاء الثلاثة للخلود إلى النوم ، وكانت إميليا قد اعتادت غلق نافذة حجرتها والباب أيضًا حتى تستطع النوم ، ولكن في تلك الليلة الحارة لم يأت النوم كما أرادت ، فنهضت إميليا لتفتح نافذتها علّها تنعم ببعض الهواء فتنام .
نهضت إميليا لتفتح نافذتها فإذا بها تلمح عينين حمراوين بين الأشجار ، ارتعبت إمليل وظلت تحدّق طويلاً بهما حتى لاحظت أهما تقتربان نحوها ، فتجمدت مكانها وتراجعت بظهرها إلى الخلف ، حتى كُسر زجاج نافذتها فجأة وتفاجأت بشخص غريب الهيئة يقف أمامها داخل حجرتها .
فانحشر صوتها بحنجرتها ولم تستطيع الاستغاثة لطلب النجدة ، ولم يمر الوقت طويلاً حتى قفز هذا الشخص نحوها وبدأ في غرس أنيابه برقبتها ليمتص دماءها ، في تلك اللحظة انطلقت إيميليا تصرخ مستنجدة بأخويها ، اللذين ما أن سمعا صوتها حتى قفزا نحوها وكسرا باب الغرفة ، ليشاهداها ملقاة أرضًا تنزف من رقبتها ، ولمح أحدهما شخصًا يفر هاربًا نحو سياج الأرض المحيطة بالمنزل .
في اليوم التالي ، عقب أن استدعى الأخوين الطبيب وطمأنهما بشأن شقيقتهما وطلب منهما السفر للترويح عنها ، اجتمع أهل القرية ليعرفوا ما حل بهم ، واندهش الجميع مما سمعوا فهم يقطنون المنطقة منذ أم بعيد ولم يواجهوا أو يشاهدوا شيئًا من هذا من قبل ، ولكن اقترح أحدهم أنه ربما يكون أحد المختلين وقد أتى من المصحة المجاورة للقرية.
اقتنع الجميع بهذا الاقتراح ، وبالفعل سافر الأشقاء للترويح عن إميليا وقضوا وقتًا طويلًا بالخارج ، إلى أن نسيت إميليا ما حدث بالفعل وطلبت بنفسها العودة إلى المنزل ، عاد الأشقاء ثلاثتهم ، ولكن إدوارد كان قد ابتاع مسدسًا حتى يستطع أن يواجه المجرم ، إذا ما أتى مرة أخرى ، وبالفعل مرت الأيام وانقضى الأسبوع الأول ، ولكن بحلول الأسبوع التالي ، إذا بإميليا تشاهد نفس الشخص يقف مجاورًا لنافذتها ولكن ما أن رأته هذه المرة ، حتى انطلقت في صراخ شق سكون الليل فهرع أخويها ، ليستطلع أحدهما أن يطلق عليه الرصاص ويصيبه بإحدى قديمه ، ولكن واصل الفرار وانطلق مختفيًا بين الأشجار .
هنا تجمع الجيران وانطلقوا جميعًا في صباح اليوم التالي بحثًا عن هذا الدخيل ، وقادهم البحث بالفعل نحو الكنيسة المهجورة ، وأشار أحدهم إلى خيط رفيع من الدماء فتتبعوه خاصة بعد أن علموا بأن إدوارد قد أصاب المتهم برصاصة في إحدى قدميه.
تتبع الجميع خيط الدماء الرفيع ، حتى وجدوا أنفسهم يقفون جميعًا أمام المقبرة المجاورة للكنيسة ، فدخلوا إليها ، ليجدوا كافة التوابيت من الداخل محطمة والجماجم والعظام مبعثرة هنا وهناك ، بالإضافة إلى وجود عدد ضخم للغاية من جثث الحيوانات ، عدا تابوتًا واحدًا كان شبه مغلق ، وما أن فتحوه حتى وجدوا بداخله شخصًا شبه نائم وكأنه حي ، وفي قدمه جرح إثر الرصاصة التي أصابته فأيقنوا أنه هو من تحدثت بشأنه إميليا .
وقال أحد الرجال وقد كان عجوزًا ، أن هذا مصاص للدماء كان قد أسلم نفسه للشيطان ، هو جسد بلا روح ويتغذى على الدماء ، وبالطبع استنفذ كافة مصادره من الحيوانات وأراد أن يحصل على الدماء البشرية ، فهاجم المنزل الأقرب لموقعه.
واقترح العجوز أن يتم حرق القلب وحده ، وأن تُقطع رأسه وتحرق وحدها ، ثم يحرق باقي الجسد وحده ويتم تجميع الرماد في مكان واحد ويدفن في مكان مجهول ، وبالفعل قام رجال القرية بما طلب منهم سريعًا قبل حلول الظلام حتى لا ينهض مصاص الدماء ، ويلتهمهم جميعًا ، وما أن فعلوا حتى اختفى أثر هذا الشخص ولم يسمع عنه أحد بالقرية منذ ذلك الحين.