عالم الجان قد يكون مخيفًا ، هذا أمر طبيعي فليس منا من عرف الكثير بشأنه ، والإنسان بوجه عام يميل إلى الخوف مما لا يراه بأم عينيه ، ولعل هذا هو ما أثار وأجج الأساطير بشأن الجان بكافة الدول حول العالم ، وعلى مر التاريخ أيضًا ، فنستمع للأساطير الإغريقية التي تشبعت بها قصص القدماء ، وجلبها المستعمرون إلى أراضينا ، وهناك ما هو تراث شعبي قديم خاص بوطننا العربي .
أما أن تشتهر بعض الأساطير لترتبط بالعديد من الدول حول العالم ، دون تخصيص لبلاد عربية أو غربية ، فهذا هو الأمر الغريب ، ولعل قصة النداهة حول العالم ، هي خير دليل بأن قصتها قد يكون فيها شيء من الحقيقة أو الصحة ، ولكن تداولها على مرور الزمان ، هو ما أضاف إليها الكثير من التشويق والرعب.
في المملكة الأمر مختلف قليلاً ، حيث تنتشر أسطورة تقول أن هناك امرأة تُعرف باسم السُعلاه ، البعض يقول أنها سيدة جميلة ورشيقة وشعرها طويل ، والبعض الآخر يصفها بأنها سيدة عجوز بشعة ولها شعر كثيف يغطي جسدها بالكامل ، ولا يمكن التعرف عليها سوى بمراقبة خطواتها حيث تترك آثار قدميها لهب وحريق في أي أرض منعزلة ، أو أي مكان تسير فيه .
وتقول الأسطورة أن العديد قد سمعوا سيدة تصرخ ليلاً مستغيثة من الذئب ، ومن يعيشون في المناطق الصحراوية يعرفون الأسطورة فلا يستجيبون لتلك الصرخات ، وهي نفس فكرة النداهة ، حيث تهتف باسم أحد الأشخاص لإنقاذها ثم تختطفهم لعالمها ، البعض يختفي أو يُقتل أو يصاب بهلاوس أو يصاب بالجنون أو يذهب معها .
وهناك الكثير من القصص التي رويت بشأنها وأنها قد تختار أحد الأشخاص لتعيش معه ، حيث روى البعض أنها قد اختارت أحد الأشخاص وتزوجته وأنجبت منه طفلاً ، خاصة عندما تسمع عواء الحيوانات فتشعر بالحنين للعالم السفلي .
يقال في وصفها أنها مزيج بين الغولة والنداهة ، والبعض يقول أنها من الشياطين ويدلل على فكرته بالنار أو اللهب الذي تتركه آثار قدميها على الأخضر أو أينما تضع قدميها بوجه عام على الأرض .
أما في المغرب فهي شهيرة جدًا ، حيث تُعرف باسم عائشة قنديشة ، هي تعد من أشهر حكايات وأساطير الرعب بالمغرب ، ويقال أنها سيدة فائقة الجمال وشديدة الرقة والحُسن ، بتفتن الرجال بجمالها حيث تستدرجهم لوكرها وتقتلهم وتتغذى على لحومهم ، ولا يوجد ما يخيفها سوى إشعال النار أمام عائشة قنديشة ، ويقال أنها تُعرف من قدميها ، حيث تشبه قدميها أقدام الجمل ، ويقال أنها قد ظهرت لمجموعة من الرجال في الصحراء ، ولكن أحدهم ارتاب بها فخلعوا عماماتهم وأشعلوها أمامها ، فخافت واختفت من أمامهم ، وهذا هو ما أكد أنها فعلاً تخشى النار .
ويقول البعض الآخر أن عائشة قنديشة ليست جميلة إطلاقًُا ، فهي ليست سوى امرأة ساحرة عجوز قبيحة محنية الظهر ، لا تفعل شيئًا سوى التفريق بين الزوجين ، والجدير بالذكر أن كل من يرى عائشة قنديشة لابد أن ينساق خلفها وكأنه مسلوب الإرادة ، وهو ما يؤكد بأنها قد تكون جميلة بالفعل ، ولهذا تستطيع إغواء الرجال وتسيطر على عقولهم.
ولا تنحصر أسطورة عائشة قنديشة في المغرب فقط ، ولكن أحد العلماء المغاربة كتب عنها في أحد مؤلفاته ، أساطير ومعتقدات عن المغرب ، وكان هناك أحد الأساتذة الجامعيين الأوروبيين يدرس الفلسفة للطلاب ، الذين يجمعون المعلومات عن عائشة قنديشة ، ولكنه ولسبب غير مفهوم اضطر لإحراق كل ما كتبه عنها وهو مسلوب الإرادة ، ولكنه آثر أن يجمع كل ما جمعه عنها ويغادر المغرب تمامًا.
وتعود جذور الأسطورة إلى القرن الخامس عشر ، حيث قيل أنه عائشة كانت سيدة مجاهدة تدعى الكونتيسة عائشة ، حيث كانت ماهرة في القتال ولها قدرات واسعة على القتل والمحاربة.