منذ أن خُلق الإنسان وقد وجد في استئناس الحيوانات ملاذًا له ، ورفقة طيبة من بعضها ، والابتعاد عن مخاطر بعضها الآخر ، وقد وصل الأمر في بعض الحالات أن قام الإنسان بتطوير حيوانه الأليف بعض المهارات والقدرات الخاصة مثل الحصان هانز الذكي ، الذي علّمه أستاذه كيفية القيام ببعض العمليات الرياضية ، إلا أن مسألة التواصل اللفظي بين الإنسان والحيوان ، ظلت أمرًا غير محسوم حتى الآن ، فلم يجد الإنسان طريقة تدفع الحيوان للحديث المباشر ، إلا أن النمس الذكي جيف قد ضرب بتلك القاعدة عرض الحائط وقام بما لا يمكن تصديقه.
قصة هذا الحيوان تُعد من أغرب القصص التي حدثت بالفعل ، وقد بدأت أحداث هذه القصة في عام 1931م ، بإحدى الجزر الواقعة بين كل من انجلترا وأيرلندا ، حيث تقع مزرعة العجوز جيمس ايرفينج وزوجته وابنتهما ، ومنزلهم الذي يقع فوق تله معزولة .
وفي أحد الأيام سمعت الابنة صوت طرقات على جدران غرفتها الخشبي ، فظنوا جميعًا أنه فأر إلا أن الصوت استمر لفترة طويلة وكانت الطرقات تتعالى ، فقرر الأب أن يرش بعض السموم ويضع بعض الفخاخ من أجل التخلص ، من هذا الحيوان الغريب ، إلا أنها لم تفلح جميعًا ، فقام الأب بتقليد عواء الذئب لإخافة الحيوان ، ولكنه تفاجأ به يرد له نفس الصوت ، فاندهش العجوز وقرر تغيير الصوت لأصوات أخرى ، فارتد له الصوت يقلّده تمامًا ، وبعد أيام قليلة أخذ المخلوق يجرب محاولات للفظ بعض الكلمات ، وساعده أفراد الأسرة حتى أصبح يتحدث إليهم!
جرى أول حديث لهذا المخلوق مع الأسرة عقب ذلك بعدة أيام ، أخبرهم فيها أن اسمه جيفوأنه نمس هندي ، كان قد تم إحضاره برفقة أحد المزارعين قبل عشرين عامًا للقضاء على الأرانب البرية ، فطلب منه أفراد الأسرة الخروج لرؤيته ولكنه أخبرهم بأنهم قد يُصدموا عندما تقع عليه أعينهم ، ولكنهم أصروا فخرج إليهم جيف وكان نمسًا أصفر اللون ذو ذيل طويل ، وبحجم أكبر من الفأر.
بمرور الأيام أصبح جيف أحد أفراد الأسرة ، وبدأ يتعامل مع المحيط الخارجي ويأتي بالأرانب البرية يضعها أمام منزل الأسرة ، وينقل لهم ما يسمعه من أحاديث واستمرت علاقته بأفراد الأسرة من خلف الكوخ الخشبي الذي يقبع به ، وبمرور الوقت أصبح جيف عدوانيًا وأخذ يسرق طعامهم ويحطم الأواني والأغراض خاصتهم ، وبدأ يتحدث بأنه شبح .
بالطبع ارتعبت الأسرة وأصبحت الفتاة تنام إلى جوار والديها ، وأصبحوا يحصنون غرفتهم ويغلقونها جيدًا بالليل خشية تسلل هذا المخلوق الغريب ، وفي إحدى المرات هاجم جيف الغرفة وكاد أن يقتحمها بالفعل مما أثار الهلع في قلوب الأسرة ، واضطروا إلى إبلاغ البعض من أجل الحصول على المساعدة .
فوصل الأمر للصحف وأُرسل العديد من المختصين والصحفيين للبحث في الأمر ، إلا أنهم لم يستطيعوا رؤية جيف وهناك منهم من زعم أنه رآه ، ولكن الأكيد أنهم جميعًا قد سمعوا جيف وبالبحث حول قصته ، فوجئوا جميعًا بأن قصة جلبه من أجل اصطياد الأرانب حقيقية ولكن عمره ليس كما زعم من قبل .
وانقسم الناس بشأن تلك القصة إلى أقسامٍ ثلاث ، أحدهم يؤمن بوجود جيف النمس ويصدق الأسرة ، وآخرون مقتنعون بأنه نمس ولكن يسكنه شبح ، بينما اتجه القطاع الأخير إلى تكذيب الأسرة الصغيرة من أجل البحث عن الشهرة .
أصبحت عقب تلك الأحداث حياة الأسرة على المحك ، فاضطر جيمس إلى بيع المنزل والمزرعة واتجه للعيش في منطقة جديدة ، وأغلقت قضية جيف حتى عاودت لتطل برأسها مرة أخرى في عام 1935م ، عندما شاهدت المالكة الجديدة للمنزل شيئًا يجري بالخارج فأصابته بطلقة نارية ، وعند الاقتراب منه اكتشفت أنه نمسًا ، وبسؤال العائلة أقرت الابنة بأنه ليس جيف ، فهذا النمس أكبر حجمًا منه وألوانه مختلفة ، وصرّح العديد من الروحانيين ممن زاروا المنزل بأنه يشهد نشاطًا غير طبيعيًا وأن جيف كان شبحًا وليس حيوانًا قط .