يمثل التاريخ الإسلامي جزء هام من تاريخ الهند، حيث أسس المغول بالمسلمين بالهند مملكة قوية حكمت الهند لسنوات طويلة، وسلالة المغول الهنود هي سلالة من أصل تركي مغولي وقد حكمت معظم مناطق شمال الهند منذ أوائل القرن السادس عشر وحتى منتصف القرن الثامن عشر، وكان السلطان أورنكزيب من أهم حكامها، وبعده بدأ الإمبراطورية في التراجع والتفكك.
يمكن القول أن السلطان المغولي أورنكزيب كان أقوى وأغنى حكام عصره، وكان لحكمه الذي دام قرابة خمسين عامًا تأثيرًا عميقًا على الحياة السياسية في الهند حتى بداية العصور الحديثة وهو أخر الأباطرة المغول العظماء، وفي ظل حكمه وصلت الإمبراطورية المغولية لأقصى اتساع لها، والاسم الأصلي لاورنجزيب هو محي الدين محمد أورنكزيب أورنكزيب عالم كير ووالده هو شاه جهان الشهير ببناء ضريح تاج محل، وقد ولد في 3 نوفمبر 1618م بود مالو بالهند، ووالدته هي ممتاز محل التي بني لها الضريح، وكان هو الابن الثالث لأبويه.
نشأ أورنكزيب كشاب مسلم ملتزم وكان مخلص ومفكر وقد ظهرت عليه علامات القيادة والقدرة العسكرية الكبيرة في سن مبكر وقد حفظ القرأن الكريم ودرس الإسلام السني منذ أن كان صغيرًا، وهذه الصفات كانت تناقض بشكل كبير صفات أخيه الأكبر دارا شجاع أو” دارار شكوه” والذي لم يكن يملك نفس صفاته فكان مائلً للدنيا غير ملتزم بتعاليم الدين ولم يكن لديه حنكة عسكرية كبيرة مثل أخيه، ومع ذلك فقد عينهما والدهما في ولاية العهد على عرشه، ومنذ عام 1636م بدأ أورانجزيب يشغل عدد من المراكز الهامة جدًا في الدولة وقد أظهر تميزًا كبيرًا فيها جميعًا، فقد كان قائدًا للقوات التي حاربت الفرس والأوزبك وقد تفوق عليهما بنجاح تام في الفترة بين عامي 1646 و 1647م، وأيضًا تولى منصب نائب ملك مقاطعات ديكان وخلال تلك الفترة استطاع أن يقضي على التمرد في مقاطعات ديكان المسلمة ويخضعها بشكل كامل لقيادته.
عندما مرض شاه جيهان مرضًا شديدًا في عام 1657م بدأ يظهر التوتر بين الإخوة وبدا للجميع أن حربًا حتمية ستقع بين الأخوين دارا شيكوه وأورانجزيب بالتحديد، لكن على غير المتوقع شفي شاه جهان، لكن التوتر كان بالفعل قد زاد بين أبنائه ولم يرغب أي منهما في التراجع عن موقفه، وخاصة شيكوه الذي استولى على حكم أبيه وكان فاسدًا، لكن أورنكزيب أظهر مهارة عسكرية كبيرة وكان يملك خطط وتكتيكات استيراتيجية جعلته يهزم أخيه في معركة كبرى دارت بينهما تسمى معركة سموجراه Samugarh وقد وقعت في مايو 1658م،
وبالرغم من أن دارا شيكوه كان أقوى رجل في إمبراطورية المغول في ذلك الوقت، بعد والده شاه جيهان، إلا أنه لم يكن يعرف سوى القليل عن فنون الحرب، فانهار جيشه الضخم – والذي كان يزيد عدده عن جيش أخيه بحوالي 60 ألف مقاتل – أمام أخيه، وحتى جيش أخيه الثالث مراد شاه لم يشأ أن يساعده، وخلال المعركة نزل شيكوه من على فيله فظن جنوده أنه قتل، فانهزم جيشه لكن دارا شيكوه هرب في البداية، أما الهجوم الذي شنه مراد بكش على جيش أورانجزيب فقد كان ناجحًا في البداية لكن مراد أصيب في النهاية وقتل حصانه.
فر دارا شيكوه إلى القلعة التي كان والده موجود فيها، لكن أورانجزيب استطاع أن يحاصر القلعة ويقطع عنها إمدادات المياه عن القلعة فاستطاع أن يسيطر عليها، فتم إعدام دارا شيكوه وابنه سليمان شيكوه، بينما تم حبس مراد مع أبيه في القلعة بمدينة أجرا، وبالرغم من أن أورانجزيب أعلن نفسه إمبراطور الهند، إلا أن تمرد ضده ظل حتى عام 1659م حتى دارت معركة كبرى أخرى بينه وبين أخيه الأكبر شوجا لكنه حسمها لصالحه.
انقسم عهد أورنكزيب إلى قسمين متساويين تقريبًا، القسم الأول استمر حتى عام 1680م كان خلال تلك الفترة ملكًا مسلمًا قويًا يحكم إمبراطورية من المسلمين والهندوس معًا، وكان الجميع في تلك المملكة يحترمه بسبب مهارته وقوته لكن الهندوس كانوا يكرهونه، وخلال تلك المرحلة استطاع أن يحمي مملكته من تهديدات الفرس وأتراك آسيا الوسطى الذين هددوا الإمبراطورية من ناحية الشمال الغربي.
لكن تلك المعارك جعلته يهمل قليلًا إمبراطورية ماراثا التي كانت تحكم أجزاء من شبه القارة الهندية، فأغرى ذلك قائدها شيفاجي ليهجم على ميناء سورة الكبير مرتين بين عاي 1664 و1670م، لكن أورانجزيب القائد الكبير لم يترك هذا الأمر يمر سدى، فقرر أن يتبع خطة جده أكبرلغزو أي منطقة والتي تشمل هزيمة العدو أولًا ثم المصالحة معه ثم وضعه في خدمة إمبراطوريته، وهكذا هزم أورانجزيب شيفاجي ثم دعاه إلى أجرا ليعقد معه صلح عام 1666م ومنحه رتبة إمبراطور، لكن شيفاجي استطاع أن يفر إلى ديكان، ثم ين نفسه كحاكم مستقل على ماراثا لكنه توفي في عام 1680م.
بعد عام 1680م أعاد أورانجزيب فرض الجزية على الهندوس في مملكته، تبع ذلك حدوث تمرد في راجبوت بقيادة ابنه الثالث أكبر، وكان الهندوس لايزالون يخدمون في جيشه ويعملون تحت إمرته لكنهم كانوا أقل حماسًا من الفترة الأولى لحكمه.
تم احتلال مملكتي بيجابور وجولكوندا في ديكان في 1686-1887 ، لكن انعدام الأمن الذي أعقب ذلك أدى إلى أزمة اقتصادية طويلة الأمد في الإمبراطورية ، والتي بدورها تفاقمت بسبب الحرب مع الماراثا، فتم القبض على سامبهاجي نجل شيفاجي وإعدامه في عام 1689 وتفككت مملكته، لكن بالرغم من ذلك ، تبنى الماراثا بعد ذلك تكتيكات حرب العصابات ، وانتشروا في جميع أنحاء جنوب الهند وسط سكان متعاطفين معهم، فقضى أورنكزيب بقية فترة حكمه في حصار مرهق اقتصاديًا وغير مثمر للقلاع الموجودة في تلال المراثا.
كما أن انشغال أورانجزيب بالسيطرة على الجنوب جعلته يفقد سيطرته القوية السابقة على مناطق الشمال فضعفت إدارته على الأراضي وأصبح ملاك الأراضي المغول هم المسيطرون وأصبحت عائدات الأراضي تعود إليهم واستغلوا المزارعين الذين سار سخطهم وقاموا بحركات تمردية وهذه الحركات كانت في معظم الحالات تتخذ شكل حركات دينية مثل تمرد السيخ في البنجاب وفي عام 1675م اعتقل أورانجزيب زعيم السيخ تيغ بهادور والذي كان يقود التمرد، لكن السيخ ظلوا في تمرد حتى نهاية عهد أورانجزيب، وأخذت ثورات المزارعين تتزايد في جميع أنحاء البلاد مثل ثورة الجات لكنها لم تكن تأخذ طابع ديني بل كان ما يحركهم هو الوضع الاقتصادي المتدهور للمملكة.
استطاع أورانجزيب أن يحافظ على مملكته لما يقرب من نصف قرن كامل بل ووسعها في الجنوب حتى وصل إلى تانجور وتريشينوبولي وهي مساحة لم يصل إليها حاكم قبله، لكن مع ذلك كان هناك نقاط ضعف خطيرة، مثل جماعات السيخ المتشددة في الشمال، كما أن ضغط جامعي الضرائب المغول على المزارعين أدى لإجهاد الإدارة بأكملها، وقد شجع ذلك الهندوس على التمرد أيضًا، وعند وفاة أورانجزيب بعد قرابة 49 عام من حكمه، ترك لابنه إمبراطورية لم تكن تفككت بعد، لكنها كانت تعاني من مشاكل خطيرة، وقد فشل ابنه الذي خلفه في التعامل معها، وأدى ذلك لانهيار الإمبراطورية المغولية في منتصف القرن الثامن عشر.