حجرف الذويبي من أكثر الناس الذين اشتهروا بالكرم الشديد ، والإنفاق الفائض ، حيث كان حجرف كثيرًا ما ينفق كل ما لديه من ممتلكات ،من أجل أن يكرم أحد ضيوفه ، فكان الذويبي يذبح الذبائح لضيوفه مخصوصًا ، ويظل يصنع ما يصنعه ، إلى أن ينفذ جميع ما يملكه من إبل ، إلا أن ذلك لم يدفعه يومًا للتوقف عما يصنعه ، وما اعتاد على فعله ، ولم يتوقف يومًا واحدًا عن كرمه ، الذي عرف به به بين أهل زمانه جميعًا ، فكان إن لم يتوفر لديه ما يمكن ذبحه ، يقدم على ذبح الشاة ، وهي التي لا زال يشرب أبناؤها من حليبها ، أو يقوم بذبح ما يركب من الإبل .
كان الكثير من قومه ، ومن عاصروه ، يرون فرط كرمه ، ويفسرونه على أنه كرم يزيد كثيرًا ، ويفيض ، عن الحد الطبيعي ، وأخذت الأحاديث تذيع ، مؤداها أنه يلزم على حجرف أن يكون حريصًا أكثر من ذلك ، ولكن على الرغم من كل ذلك ، كان قومه كثيرًا ما يقدمون |إليه الإبل ، عوضًا عما يضيعه بيديه .
ومع مرور الوقت ، وفي يوم من الأيام ، كان حجرف قد أنهى جميع ما لديه من ذبائح ، فقد فني كل ما لديه ، ونفذ ، بلا استثناء ، حتى ناقته ، التي كان يركبها ، ما بقيت ، هنا اجتمع رهط كثير من رجال قبيلة حجرف ، حتى يتمكنوا من جمع مجموعة من الإبل له ، عوذًا عما نفذ عنده ، كان القوم ، سيرتحلون بإبلهم ، حتى يكونوا قريبين من المياه ، في موسم فصل الصيف ، وكانوا يرغبون في ترك بعض الإبل إليه ، قبل الرحيل .
ولكن أحد المجتمعين ، اقترح بدوره أن يذهبوا ، دون أن يوفروا إبلًا إلى حجرف ، حتى يتلقن الدرس جيدًا ، ويحرص على ممتلكاته فيما بعد ، وبعد بضعة أيام ، يرسلون إليه ما تيسر من الإبل ، له ، ولأهله ، فاقتنعوا بذلك ، ونزلوا على رأيه ، ورحلوا ، وقد تركوه ، بلا أي شيء ، فأخذ حجرف ينتابه الحزن الشديد من ناحية ، ولومه ، ومعاتبته لنفسه من ناحية ، وعتاب زوجته إليه من ناحية ، فقد أضاع نفسه ، وأسرته ، بسبب فرطه الشديد ، بما يسميه ، ويقنع نفسه به ، بالكرم الشديد .
أخذ نفسه ، وانفرد على أعلى جبل ، فرأى ذئبًا أعمى ، وقد أتى عصفور ، ووقف على فمه ، فقام بالتهامه على الفور ، ثم غاب الذئب عن الأنظار ، ثم عاد مؤخرًا ، وحدث نفس الموقف ، فأدرك حجرف أن الرزق ما هو إلا من عند الله ، وهو القادر فقط على رزقه ، كيفما رزق الذئب الأعمى ، وأخذ ينشد ، وهو يتمنى ، لو أن الله يرزقه برزق ، كما عهد ، وأخذ يردد أشعاره ، ويشعر بالندم الشديد في خلجات نفسه ، فهو من تسبب في بادئ الأمر ، بكل ما جرى ، كما ، ولم يتوقف يومًا مع نفسه ، ويفكر فيما سيؤول إليه حاله فيما بعد ، فها هو الآن لا يملك أي شيئ ، لا ليأكله ، ولا ليركبه ، ولا يملك أن يجود على ضيوفه ، كما كان في السابق ، ولو كان حافظ بدوره على بعض ممتلكاته ، لنفعه كثيرًا في ذلك الوقت .