كانت قضية ألفريد دريفوس من القضايا التي شغلت الرأي العام الفرنسي وأيدها العديد من مشاهير فرنسا وفي مقدمتهم الكاتب الشهير ألفريد كامو، فقد تم اتهامه بالخيانة العظمى وسجنه لكن بعد ذلك أدعى ضابط بالجيش الفرنسي وجود دليل على برائته، مما بدأ جدل كبير داخل فرنسا.
من هو ألفريد دريفوس
دريفوس كان ضابط في الجيش الفرنسي وكان ابن صانع نسيج يهودي يدعى رفائيل دريفوس، وقد ولد في الألزاس بفرنسا لكن بعد اندلاع الحرب الفرنسية البروسية عام 1870م ضمت ألمانيا الإلزاس إليها فانتقلت عائلته إلى باريس، وفي عام 1877م التحق دريفوس بمدرسة النخبة العسكرية في باريس.
وتخرج من المرسة عام 1880م وتم تعيينه في الجيش الفرنسي برتبة ملازم أول، وخلال العامين التاليين تلقى تدريب داخل مدرسة المدفعية ليصبح ضابط مدفعية، وتم تعيينه ضمن فوج المدفعية الحادي والثلاثين الذي تم وضعه كحامية في لومان، ثم نقل إلى بطارية مدفعية محمولة ملحقة بفرقة الفرسان الأولى بباريس، وتمت ترقيته بعد ذلك لرتبة نقيب.
في 18 أبريل 1891 ، تزوج دريفوس البالغ من العمر 31 عامًا من لوسي أوجيني هادامارد البالغة من العمر 20 عامًا، وأنجبا طفلين وبعد ثلاثة أيام من الزفاف ، علم دريفوس أنه قد تم قبوله في المدرسة العليا أو الكلية الحربية.
بعد ذلك بعامين تخرج في المرتبة التاسعة في فصله بدرجة مشرف وتم تعيينه على الفور كمتدرب في مقر الأركان العامة للجيش الفرنسي، وقد كان الضابط اليهودي الوحيد هناك، وبالرغم من إبداء بعض رؤسائه معارضة لتعيين ضباط يهود إلا أن الجيش الفرنسي كان مفتوح في تلك الفترة لإشراك العديد من اليهود ويعتقد أن عددهم في تلك الفترة وصل 300 جندي في رتب مختلفة.
اتهام دريفوس بالتجسس
خلال تلك الترة كان كل شيء يسير بشكل طبيعي إلى أن عثرت سيدة فرنسية كانت تعمل في التنظيف بالسفارة الألمانية على ورقة ممزقة كانت مكتوبة بخط اليد وملقاة داخل سلة مهملات، وبها أحد الأسرار فرنسا العسكرية، وكان من الواضح أن جاسوسًا بالجيش الفرنسي قد أرسلها للألمان.
بدأت إدارة مكافحة التجسس بالجيش الفرنسي تحقيقًا بشأن الورقة، وقد توصل المقدم جان ساندير مدير الإدارة إلى أن المعلومات المتعلقة بأجزاء المدفعية الجديدة تم تمريرها إلى ماكسيميليان فون شوارتزكوبين الملحق العسكري الألماني في باريس، وصلته من قبل جاسوس رفيع المستوى وهو على الأرجح شخص داخل هيئة الأركان العامة.
و سرعان ما اتجهت الشكوك نحو درايفوس، الذي تم القبض عليه بتهمة الخيانة في 15 أكتوبر 1894، وفي 5 يناير 1895 ، أدين دريفوس بإجراءات موجزة في محاكمة عسكرية سرية ، وجُرد علنًا من رتبته العسكرية ، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة في جزيرة ديفيلز في غيانا الفرنسية.
ومع ذلك فإن قضية دريفوس لم تنتهي أبدًا، والسبب في ذلك أنه في أغسطس 1896 ، أبلغ الرئيس الجديد للمخابرات العسكرية الفرنسية اللفتنانت كولونيل جورج بيكوارت، رؤسائه أنه وجد أدلة تشير إلى أن الخائن الحقيقي هو الرائد فرديناند والسين إسترهازي.
لكن تم نقل بيكوارت من خلال نقله لقيادة فوج tirailleur المتمركز في سوسة بتونس ويعتقد أن سبب النقل هو محاولة إسكاته.
لكن في نوفمبر 1896 م تسربت تقارير عن احتمالية براءة دريفوس إلى الصحافة ، تبع ذلك نقاش ساخن حول معاداة السامية وهوية فرنسا باعتبارها أمة كاثوليكية أو جمهورية تقوم على حقوق متساوية لجميع المواطنين.
تحت الضغط تمت محاكمة الضابط استرهازي في محاكمة عسكرية سرية وقررت المحكمة أنه غير مذنب بعدها فر سرا إلى إنجلترا وحلق شاربه، وأثناء وجوده بلندن نشرت صحفية تعمل مراسلة لجريدة الأوبزرفر في باريس مقال قالت فيه أنها اتصلت بإسترهازي وقد أقر أنه هو من كتب الورقة التي أدخلت دريفوس السجن، وقد اتهمت الحكومة الفرنسية بمعاداة السامية ودعت لإعادة محاكمة دريفوس.
لكن الجيش الفرنسي لم يحاول إعادة محاكمة دريفوس، وقد بدأت حملة عاطفية لأنصار دريفوس داخل فرنسا وشارك فيها كبار الفنانين والمفكرين وصحفيين ومنهم الكاتب إميل زولا، والذي يرى البعض أنه قتل نتيجة مناصرته لقضية دريفوس.
المحاكمة الثانية
بعد الضغط الكبير تمت محاكمة دريفوس مرة أخرى في عام 1899م، لكن المحكمة لم تلتفت للتقرير السابق الذي يشير للضابط بإسترهازي وأعلنت مرة أخرى أنه مذنب بتهمة الخيانة.[1]
التسوية وإطلاق السراح المشروط
ولكن الضغط العام استمر وهذا جعل الحكومة تعرض على دريفوس تسوية يقوم من خلالها بالاعتراف بذنبه، وفي المقابل يتم إطلاق سراحه وإلا فسوف يتم إعادته لمحبسه بجزيرة الشيطان، وقد وافق دريفوس على تلك التسوية، وتم إطلاق سراحه.
عارض الكثير من دريفوس قبول تلك التسوية، وقالوا أن عليه الاستمرار في القتال حتى يثبت الكذب الجوهري للجيش في قضيته، وأن عليه محاولة الاستئناف حتى تثبت برائته، بينما رأى الآخر أن صحته لم تعد تتحمل السجن الرهيب بالجزيرة سيئة السمعة.[2]
ويدعي البعض أن عائلة دريفوس تعرضت للضغط الشديد من اليهود ومن الجمهوريين في فرنسا، وأن جميع الأطراف كانت تريد إنهاء الجدل حول تلك القضية نهائيًا.
في النهاية تم وضع دريفوس تحت الإقامة الجبرية في منزل مع إحدى شقيقاته مدة عامين، وفي 12 يوليو 1906م أعلنت لجنة عسكرية برائته من التهمة الموجهة إليه وتمت إعادة رتبته العسكرية وترقيته لرتبة رائد.
بعد ذلك بأسبوع تم تعيينه فارسًا في الجيش ومنحه وسام جوقة الشرف، وعين في قيادة وحدة المدفعية في فينسين، ثم نقل لقيادة وحدة مدفعية أخرى.
ومع ذلك فقد تعرض لمحاولة اغتيال في عام 1908م من قبل الصحفي اليميني لويس جريجوري، أثناء حضوره حفل تأبين الكاتب إميل زولا، لكن الطلق الناري أصاب ذراعه فقط.
توفي دريفوس في عام 1935م في باريس وكان عمره حينها 75 عام، ومع ذلك ظل الجدل حول شخصيته قائمًا، ففي عام 2021 افتتح الرئيس الفرنسي متحفًا مخصصًا لقضية دريفوس بينما عارض بعض السياسيين اليمينيين في فرنسا ذلك وقالوا إن برائته تتعارض مع كل الفقه المعروف.