يعيش البعض بيننا مسالمون وبشوشي الوجه ، مبتسمون دائمًا تخفي ملامحهم وتقاطيع وجوههم ما لا يبدونه بألسنتهم ، وإن نطقوا لما تعاملنا معهم وفقًا لابتسامتهم فقط ، فكم نحن بحاجة لقراءة أفكار الغير أو ماضيهم حتى نستطيع أن نرد لكل ذي حق حقه ، حتى لا ينعم المجرمون والسفاحون بحياة رغدة ويفلتون من العقاب .
ولكن من المؤكد أن كل سينال حقه وجزاء ما فعل يوم الحساب ، ولكن كم من عجوز يخفي خلف ملامحه الخشنة وتجاعيد وجهه آلاف القصص والروايات التي عاشها ، ويا ترى إذا ما كان قد انكشف أمر الطبيب طارق فريد باكرًا ، هل كنا سنعاقبه؟
طارق حسين فريد :
رجل عجوز يعيش في مصر منذ عام 1963م ، بأحد الفنادق متوسطة الحال ، ويدعى فندق القصر ، وكان هذا العجوز مقيم دائم داخل الفندق نظرًا لرخص ثمنه ، بالإضافة إلى أنه لم يكن لديه عائلة داخل مصر ، وإنما أتى من الخارج ليعيش فيها في هذا الوقت ، ووقع اختياره على هذا الفندق الذي كانت تملكه عائلة تعرف باسم دومه .
كان العجوز رياضي ويتمتع بلياقة بدنية عالية للغاية ، فلم يكن كبر سنه يعجزه عن ممارسة الرياضة يوميًا والتنزه والتجوال بين شوارع القاهرة العريقة ، حيث كان ينطلق العجوز يوميًا من منطقة الموسكي إلى الأزهر والغورية ، ذهابًا وإيابًا بشكل يومي رغم كبر سنه.
وعُرف عنه أنه يعشق التصوير الفوتوغرافي ، وكان شغوف جدًا بما تحمله القاهرة من آثار عدة وفنون معمارية زينت جدران آثارها ، فلم يخرج يومًا سوى والكاميرا تلتف حول عنقه ، وعقب الانتهاء من جولته يبتاع بعضًا من الشيكولاته ويهادي بها أصدقائه من المنطقة التي يقيم بها ، وكان يتحدث العربية بطلاقة مثل أبناء العرب.
شكوك :
كان العجوز دائمًا ما يحمل معه حقيبة مغلقة بإحكام ، كانت مثيرة للريبة بعض الشيء خاصة أنه كان يتوتر عندما يسأله أحدهم بشأنها ، وكأنه يخفي سرًا ضخمًا عن أعين الجميع.
وبحلول فترة الثمانينات ، أهدت العائلة المالكة للفندق مصحفًا لهذا العجوز ، الذي اهتم كثيرًا وأخذ بقراءته والبحث هنا وهناك لفرتة من الوقت ، ثم أعلن إسلامه فجأة ! وأسمى نفسه طارق حسين فريد ، واشتهر في المنطقة التي يعيش بها بالعم طارق.
وفاته .. ومفاجأة مدوية :
بحلول عام 1992م توفى العم طارق إثر إصابته بمرض السرطان قبل سنوات ، وكما هو معتاد قام الجميع بتغسيله والصلاة عليه ودفنه في أقرب مدافن لهم ، وانتهت القصة لتبدأ من جديد.
عقب الانتهاء من إجراءات الدفن ، وبحلول عام 2009م كانت السلطات الألمانية والإسرائيلية قد بحثت عن العديد من مجرمي الحرب العالمية الثانية ، وتحديدًا ممن تسببوا في قصة الهولوكوست الشهيرة بألمانيا إبان فترة بروز النازية ، وبالمزيد من البحث والتحري ، اكتشفت السلطات أن واحدًا من أكثر السفاحين الذين سفكوا دماء الأبرياء كان مختبئًا بمصر تحت اسم مستعار ويدعى طارق حسين فريد!
نعم ، العجوز الراحل كان واحدًا من الأطباء السفاحين النازيين في عهد هتلر ، وطوال تلك الأعوام ظنت الأجهزة الاستخباراتية الألمانية والإسرائيلية بأنه قد فر نحو البرازيل أو تشيلي كما زعم المقربون منه ، ولكنهم اكتشفوا مؤخرًا بأنه كان قابعًا طوال تلك السنوات بمصر.
آربيرت هايم :
الطبيب آربيرت هايم ، طبيب نازي كان يعمل إبان الفترة الأكثر شراسة في تاريخ ألمانيا النازية ، وكان سفاحًا خطرًا ولا يستمع سوى لصوت نفسه ، حتى لُقّب بسفاح ماوتهاوزن ؛ وهو اسم المعسكر الذي عمل به وقتل وسفك به دماء العديد من المعتقلين آنذاك.
كان آربيرت واحدًا من أشد النازيين تعصبًا للفوهرر ، وإيمانًا بمبادئه لذا أخذ على عاتقه أن يدفع خصومه لاحترامه وإبداء الولاء لهم ، ولم يكن أمامه طريقة سوى تعذيب المعتقلين الأسرى ، حيث قتل آربيرت فوق الثلاثمائة معتقل ؛ فكان يخرج أحشاءهم من أجسادهم وهم أحياء ، ليرى تأثير ذلك عليهم وأضراره!
بالإضافة إلى ما فعله من حقن لقلوب الأسرى بالمياه ، والبنزين والغازات ، وقطع أطراف المساجين جميعها وهم أحياء بدون تخدير ، ليتلذذ بصرخاتهم المتقطعة حتى الموت ، وفي أحد الأيام قام آربيرت بقطع رأس أحد المعتقلين واحتفظ به للذكرى! وكان السبب خلف ذلك أن الضحية كان أكثر المعتقلين عنادًا بين زملائه ، بل تمادى آربيرت في غيه وقام بإهداء أباجورة لأحد قادة المعسكرات النازية ، وكانت مصنوعة من جلد أحد ضحاياه.
كان آربيرت سفاحًا شرسًا وتمت المطالبة باعتقاله دوليًا ، إثر اتهامه بارتكاب مجازر بشرية ، في عهد هتلر ، وكان على رأس قائمة المطلوبين لإسرائيل من أجل التحقيق معهم ، أكثر من السفاح مينجل نفسه.
وهذا هو ما اضطر آربيرت إلى الهرب إلى مصر ، واعتناق الإسلام عقب مكوثه بها عدة سنوات وتغيير اسمه ، خوفًا من الإعدام فقد كان من أشد الأطباء شراسة ممن قاموا بإجراء التجارب على المعتقلين بالسجون النازية.
كشف الغطاء :
عقب انتشار أخبار طارق فريد العجوز وتداول أخباره محليًا ، وانتشار الشكوك حوله تواصلت النيويورك تايمز مع العائلة المالكة للفندق الذي عاش به آربيرت ، وقاموا بشراء الحقيبة التي ظل آربيرت محتفظًا بها حتى وافته المنية .
وبالفعل وجدوا بها العديد من الصحف الألمانية ، تتحدث عن أخبار حول مطاردات أجهزة الاستخبارات لهايم في تشيلي ، وخطابات ومراسلات مع ابنه ، وجوازات سفر وبطاقات بأسماء مستعارة ، وتم التأكد أنه نفس الشخص من صورة لورقة تحمل اسمه وتاريخ مولده الحقيقي.
سفاح شرس عاش في قلب القاهرة ، متنقلاً بين البسطاء والمساجد ومعتنقًا للإسلام ، ليخفي جرائمه البشعة ويتخفى خوفًا وهربًا من العقاب على ما فعله ، وارتكبه بحق الآخرين ، وبالطبع خلف كل عجوز غامض العديد من القصص.